
ظاهرة الهجرة لا تمسّ ضمائرنا الفردية فقط بل الجماعة المسيحية بأكملها
الفاتيكان: الكنيسة جاهزة لتعزيز الكرامة الإنسانية للمهاجرين
ألقى الكاردينال لويس أنطونيو تاجل، نائب عميد دائرة البشارة، مداخلة خلال المؤتمر الوطني “الهجرة، حجّ الرجاء” الذي يُعقد في جامعة الأوربانيانا الحبرية في روما، في 21 أكتوبر.
وقال تاجل في كلمته: إنّ الهجرة القسرية تُصبح بسرعة “أمرًا طبيعيًا”. وفي هذا السياق، تُدعى الكنيسة لا إلى مجرّد التفاعل مع الظاهرة، بل إلى حضور نبويّ فعّال، فتقدّم أماكن استقبال، وتعزيزًا للكرامة الإنسانية، ومسارات للإدماج، وكلماتٍ تبعث الرجاء”.
وأشار الكاردينال تاجل إلى أننا نعيش “زمنًا يُعدّ فيه نزوح ملايين الأشخاص علامة ملموسة على تحوّلات عميقة: حروب واضطهادات تُجبر الناس على الفرار، أزمات بيئية تُدمّر أراضيَ بأكملها، وفقر بنيوي يدفع الناس للبحث في أماكن أخرى عن حياة كريمة. ورغم أنّ للناس الحق في البقاء في أوطانهم، إلا أنّ كثيرين يُجبرون على الهجرة رغم رغبتهم في البقاء”. وفي هذا الإطار، تتدخل الكنيسة الكاثوليكية بكل ما في وسعها لدعم ملايين الأشخاص الذين يفرّون يائسين بحثًا عن مستقبل أفضل.
ظاهرة الهجرة تمسّ الجماعة المسيحية بأكملها
من هنا ذكّر الكاردينال تاجل بالإرشاد الرسولي Dilexi te للبابا لاوُن، الذي يؤكّد: “إنّ الكنيسة، مثل أم، تسير مع الذين يسيرون. وحيث يرى العالم تهديدات، هي ترى أبناءً. وحيث تُبنى الجدران، هي تبني الجسور. وتعلم أن إعلانها للإنجيل لا يكون صادقًا إلا حين يُترجم إلى أفعال قربٍ واستقبال. وتعلم أن في كل مهاجرٍ يتمُّ رفضه، المسيحَ نفسه هو الذي يقرع أبواب الجماعة”.
وأوضح نائب عميد دائرة البشارة أن ظاهرة الهجرة “لا تمسّ ضمائرنا الفردية فقط، بل تمسّ الجماعة المسيحية بأكملها، ومعها اللاهوت نفسه، وتطرح أسئلة جوهرية: ما الشكل الذي يجب أن تتخذه الرسالة اليوم؟ وكيف يمكن ترجمة رسالة الكنيسة عمليًا في سياق التنقّل الدائم وتنامي التعدّد الثقافي والديني؟”. وأضاف أن الهجرة ليست مجرد تحدٍّ، بل فرصة استثنائية لتجديد الحماس الرسولي للكنيسة، ولعيش إنجيل اللقاء بشكل أكثر أصالة. وتابع قائلاً: “غالبًا ما نفكّر في الرسالة كذهاب إلى أماكن بعيدة عنا، وهذا صحيح. ولكن من خلال المهاجرين، تدخل مناطق مختلفة من العالم بعضها في بعض، فتُفتح أمامنا مساحات جديدة ومفاهيم جديدة للرسالة”.
وأشار نائب عميد دائرة البشارة إلى أنّه لا يمكننا أن نتصور الرسالة اليوم كحركة في اتجاه واحد —من المركز إلى الضواحي— بل كحوار، وتداخل للقصص، ومسيرة مشتركة. فالهجرة البشرية هي المكان المميّز لهذه الرسالة الجديدة ذات الوجه الملموس: عائلات، شباب، أطفال، نساء ورجال يحملون معهم لغاتٍ وتقاليدَ وخبرات إيمانٍ وجراحًا تنتظر الشفاء. وفي هذا السياق يصبح العمل الراعوي فنًّا دقيقًا للمرافقة، يجمع بين البُعد الليتورجي واللاهوتي والاجتماعي والإنساني. وبينما تخدم الكنيسة المسيحَ الحاضر في الغرباء والمهاجرين، فهي مدعوة أيضًا إلى التعلّم منهم، بل إلى أن تسمح لهم أن يبشروها. ففي بساطتهم، هم يُعلّموننا معنى الرجاء والمثابرة. فالمهاجرون —في كثير من أنحاء العالم— هم أكثر المرسلين غيرةً على الإيمان.
(راديو الفاتيكان)



