أخبار مشرقية

الحوار بين الصين والكرسي الرسولي وواقعية البابا فرنسيس

في طريق عودته من سنغافورة إلى روما، منتصف الشهر الجاري، بعد زيارته الرسولية الأطول في حبريته، والتي قادته إلى آسيا وأوقيانا عقد البابا فرنسيس –كما جرت العادة– مؤتمراً صحفياً على متن الطائرة أجاب خلاله على أسئلة الصحفيين؛ وردًا على أحد الأسئلة تناول الحبر الأعظم نتائج الحوار بين الصين والكرسي الرسولي واصفًا إياها بالجيدة، ومشيرًا أيضًا إلى أن التعاون جار بين الطرفين في إطار الإرادة الحسنة بشأن مسألة تعيين الأساقفة الكاثوليك في الصين.

من جانبه كتب مدير وكالة فيديس الكاثوليكية للأنباء، جاني فالينتي، مقالاً سلط الضوء من خلاله على العلاقات بين الكرسي الرسولي والصين، متوقفاً عند الطريقة الواقعية التي يتعامل بها البابا فرنسيس مع هذا الموضوع الذي لم يخل من الصعوبات، كما يعلم الجميع.

أضاف فالينتي أن الصحافة الدولية توقفت عند الحوار القائم بين الكرسي الرسولي والصين، وعند الاتفاق الموقت الذي يشكل أداة مهمة لهذا الحوار، مشيرًا إلى أن ما كُتب عن هذه المسألة لم يخل من الانتقادات، لكن تقييم البابا فرنسيس تميز بالواقعية المسيحية.

وبهدف تقييم الكلمات التي تفوه بها الحبر الأعظم، في معرض إجابته على سؤال طرحته عليه مراسلة الموقع الإخباري الإلكتروني الصيني كتب مدير وكالة فيديس للأنباء: لا بد من التوقف عند بعض المحطات الهامة التي طبعت مسيرة الحوار بين الطرفين، كما ينبغي ألا ننسى الماضي الذي سبق المرحلة التاريخية الراهنة.

في 22 سبتمبر 2018 تم التوقيع على الاتفاق الموقت بين الكرسي الرسولي وحكومة بكين، ومنذ ذلك التاريخ أصبح جميع الأساقفة الكاثوليك في جمهورية الصين الشعبية بشركة تامة وبشكل علني مع البابا، ولم تحصل منذ ذلك اليوم أي سيامات أسقفية غير شرعية، أي تلك التي كانت تتم بدون موافقة الحبر الأعظم، مع العلم أن هذه السيامات الأسقفية بدأت في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وأثرت سلباً وبشكل خطير على الشركة الكنسية مع الكاثوليك الصينيين.

تراجع في العلاقات أثناء كورونا

خلال السنوات الست الماضية شهدت تراجعاً في العلاقات بين الطرفين خلال زمن كورونا، حصلت في الصين 9 سيامات أسقفية كاثوليكية جديدة، وخلال المدة الزمنية نفسها، طلب 8 أساقفة كانوا يُعتبرون “غير رسميين” من قبل السلطات لأنهم نالوا سيامتهم خارج الأطر التي وضعتها الأجهزة المعنية الصينية، طالبوا أن يُعترف بهم من قبل حكومة بكين، وهذا ما حصل بالفعل، ومن بينهم أسقف مسنّ توفي في أبريل العام الماضي، ما يعني أن عدد الأبرشيات الكاثوليكية الصينية الشاغرة بدأ يتراجع.

في 2018 كما في 2023 شارك أسقفان من جمهورية الصين الشعبية في سينودس الأساقفة بروما، مع العلم أنه في العقود الغابرة لم يُسمح لأي أسقف قادم من الصين القارية بالمشاركة في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أو في سينودس الأساقفة، والذي يعكس شركة الكنيسة الكاثوليكية ووحدتها، وخلال السنوات الماضية تمكنت مجموعات كاثوليكية من الصين القارية من المشاركة في اليوم العالمي للشباب في لشبونة، بالبرتغال، حجاج كاثوليك صينيون تمكنوا من رؤية البابا في روما وخلال زياراته الرسولية إلى تايلاند ومنغوليا وسنغافورة.

كما أن عدداً من الأساقفة الكاثوليك الصينيين شاركوا في لقاءات ومؤتمرات كنسية في أوروبا وأمريكا، وقد انعكس هذا التقارب إيجاباً على مسيرة المصالحة بين الجماعات الكاثوليكية في الصين والتي تعاني من الانقسامات منذ عقود، واعتبر مدير وكالة فيديس أن تقييم البابا فرنسيس يأخذ في عين الاعتبار وقائع غالباً ما يغض الطرف عنها المحللون عندما يتطرقون إلى العلاقات الفاتيكانية – الصينية، وهذه المعطيات والوقائع تشكل البوصلة التي توجه أسقف روما والكرسي الرسولي كي يتمكنا من مرافقة مسيرة الكاثوليك في الصين، ضمن السياق الذي يعيشون فيه وحيث يشهدون لإيمانهم ومحبتهم للرب، كما أن الاتفاق الموقع مع الحكومة الصينية في 2018 يتعلق بالطبيعة الحميمية للكنيسة الكاثوليكية، برسالتها الرسولية، ويسعى إلى معالجة الشرخ والانقسامات التي حصلت في العقود الماضية بين المؤمنين العلمانيين والإكليروس، ووسط الجماعات والعائلات.

وذكّر فالينتي أن نية البابا والكرسي الرسولي ليست التأكيد على سلطة أو تفوق سياسي، بل تتمثل في تثبيت الأخوة في الإيمان، تعزيتهم ودعمهم في مسيرة الصلاة وإعلان الإنجيل والقيام بأعمال المحبة ضمن السياق الذي يتواجدون فيه، متمنيًا أن تستمر كل تلك الأفعال التي هي علة وجود النشاطات الكنسية، وأن تزدهر وتكتسب طابعاً شرعيا في الصين، لأن هذا هو الكنز الذي يحرص عليه البابا فرنسيس.

(راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى