
ثلاث سنوات وأوكرانيا تعاني معاناة هائلة.. الفاتيكان يوجه نداء رسولي حازمًا وعاجلاً للأطراف المعنية لوضع حد لهذا الصراع.. والسفير البابوي في كييف: العدوان على أوكرانيا يُشكل تعديًا على حياة البشر
قال المطران بول ريتشارد جلاجر أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية عبر الفيديو خلال اجتماع مجلس الدائم لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE في فيينا: “إن الفشل في منع الحرب وتسهيل حل النزاع يعكس، جزئيًا، الإرادة غير الكافية للدول المشاركة. ولكن لم يفت الأوان بعد لاستعادة أهمية المنظمة كمنتدى متعدد الأطراف فعال للحوار المنفتح والصادق”.
ووجه الكرسي الرسولي نداء “حازمًا وعاجلاً” إلى “جميع الأطراف المعنية” من أجل وضع حد لهذا الصراع، الذي على مدى ثلاث سنوات “ألحق معاناة هائلة بأوكرانيا، وأسفر عن العديد من الضحايا، من بينهم العديد من المدنيين الأبرياء، وطبع البلاد بالعديد من أعمال الدمار”. وقد نقل هذا النداء المطران بول ريتشارد جالاجر، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية، خلال كلمته أمام اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المنعقد في فيينا.
وفي مداخلته عبر الفيديو، ندد المطران بالـ”العواقب الإنسانية المأساوية” التي نتجت عن هذه الحرب، والتي لم تتسبب فقط في سقوط قتلى وجرحى، بل أدت أيضًا إلى “أضرار جسيمة بالبنى التحتية الحيوية وإلى تدهور بيئي، مما زاد من تفاقم الأزمة”، وأعاد أمين سر دولة التأكيد على التزام الكرسي الرسولي بالمساعدة في إعادة الأطفال إلى ديارهم، وشجّع في الوقت عينه على الإفراج عن الأسرى، لا سيما الجنود والمدنيين المصابين بجروح خطيرة. وقال في رسالته المسجلة: “الحرب هي مأساة هائلة. إنها إنكار للإنسانية”، وأعاد في هذا السياق التأكيد على كلمات البابا فرنسيس: “لا ننسى أبدًا أن الحرب هي هزيمة على الدوام!”.
وفي هذا المنظور، دعا الكرسي الرسولي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى الاضطلاع بدورها كـ”مؤسسة رئيسية في السعي إلى حل عادل ودائم، يقوم على القانون الدولي ويشمل جميع أطراف النزاع”. وأضاف أمين سر دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية أن “إعادة إحلال السلام والحفاظ عليه، إلى جانب تعزيز الأمن والعلاقات المتناغمة بين الدول المشاركة، يجب أن تظل أولوية أساسية” للمنظمة، مشيرًا إلى أن الفشل في “منع اندلاع الحرب” و”تسهيل حل دبلوماسي للنزاع في أوكرانيا” يعكس “جزئيًا، الإرادة السياسية غير الكافية للدول المشاركة”. ومع ذلك، شدد على أنه “لم يفت الأوان أبدًا لاستعادة أهمية المنظمة كمنتدى متعدد الأطراف فعال حقًا لحوار منفتح وصادق، يكون الأساس الضروري لأي مسار عملي نحو السلام”.
وذكَّر جلاجر بالذكرى الخمسين لـ”الوثيقة الختامية لهلسنكي”، الاتفاق الذي تم توقيعه في صيف عام 1975 من قبل 35 دولة وساهم في تخفيف حدة الحرب الباردة، ومن روح هذا الاتفاق، نشأت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. واليوم، يدعو المطران بول ريتشارد جالاجر الدول الأعضاء إلى استعادة هذا “روح هلسنكي” في هذه المرحلة المأساويّة من تاريخ البشرية. وأكد في هذا السياق أنَّ الوثيقة الختامية لهلسنكي تجسد فكرة مشتركة بين جميع الدول المشاركة، وهي أن السلام ليس مجرد غياب للحرب أو الحفاظ على توازن القوى، بل هو ثمرة تعزيز العلاقات الودية، والالتزام في حوار محترم وبنّاء، وتعزيز التعاون”. وأضاف أن “هذه المبادئ، القائمة على القانون الدولي والحماية العالمية لحقوق الإنسان، لا تزال اليوم ذات أهمية كما كانت لخمسة عقود خلت.
وتبنى المطران جلاجر، نداء البابا فرنسيس من أجل “أوكرانيا المعذبة”، في رسالته وبركته لمدينة روما والعالم في 24 ديسمبر الماضي: “ليصمت صوت السلاح في أوكرانيا التي دمرتها الحرب! وليكن هناك الشجاعة اللازمة لفتح باب التفاوض واتخاذ خطوات نحو الحوار واللقاء، من أجل تحقيق سلام عادل ودائم”.
(راديو الفاتيكان)
وبمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لاندلاع الحرب في أوكرانيا، 24 فبراير؛ كتب السفير البابوي في كييف المطران فيسفالدالس كولبوكاس مقالاً – نشرته وسائل الإعلام الفاتيكانية – تضمن تأملاته حول السنوات الثلاث الماضية، مشددًا على ضرورة قيام تعبئة جماعية للضمائر من أجل استئصال العوامل المسببة لهذه الحرب. وكتب أيضا أنه على الرغم من معاناتهم وآلامهم يعرب الأوكرانيون عن قربهم من البابا فرنسيس، كما يرفعون الصلوات من أجل شفائه العاجل.
كتب سيادته أن أوكرانيا دخلت عامها الرابع من الحرب الواسعة النطاق التي تتعرض لها، وسلط الضوء في هذا السياق على أهمية الصلاة، خصوصًا خلال الاحتفال بالسنة المقدسة، حيث تكثّف الكنيسة صلواتها. وشجع جميع المؤمنين حول العالم على الصلاة على نية السلام في أوكرانيا.
بعدها تطرق السفير البابوي في كييف إلى المعاناة الكبيرة التي يعيشها الأسرى الأوكرانيون القابعون في السجون الروسية، ومن بينهم أشخاص مدنيون يتعرضون لسوء المعاملة ويُحرمون من النوم، كشكل من أشكال التعذيب. وطلب من المؤمنين أيضًا أن يرفعوا الصلوات على نية هؤلاء الأشخاص الذين تُقدر أعدادهم بالآلاف، كي يمنحهم الرب الرجاء، وهو موضوع شاء البابا فرنسيس أن تُكرس له هذه السنة اليوبيلية. واعتبر أن الصلاة تكتسب أهمية كبرى خصوصا فيما يتعلق بالمشاكل التي لا توجد حلول لها من وجهة النظر البشرية.
وتوقف سيادته عند 4 أحداث هامة خلال السنة الماضية من الحرب الروسية على أوكرانيا، ولفت إلى الإفراج عن كاهنين من كنيسة الروم الكاثوليك في 28 يونيو، بعد أن قبعا في السجن طيلة عام ونصف العام، وتمكنا من الحفاظ على إيمانهما على الرغم من المعاناة التي عاشاها خلال فترة الاعتقال. أما الحدث الثاني والمفرح أيضًا، تمثل في زيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بارولين إلى أوكرانيا في يوليو الماضي. وكانت زيارة مطبوعة بالصلاة. وقد اكتسبت أهمية كبرى اللقاءات بين الضيف الفاتيكاني والسلطات الأوكرانية، وشكلت الزيارة مناسبة للتأمل والحوار، وجاء حضور نيافته كتعبير عن قرب البابا من الأوكرانيين.
أما الحدث الثالث فكان اللقاء الافتراضي الذي جمع حوالي 200 شاب كاثوليكي أوكراني مع البابا فرنسيس، في الأول من فبراير الماضي. وشكل اللقاء مناسبة لتعزيز الرجاء في القلوب. وقد تمكن هؤلاء الشبان من رؤية البابا والتحدث معه، وشعروا فعلا بقربه منهم. وقد عبّر العديد من رعاة الكنيسة عن امتنانهم للحبر الأعظم على هذه المبادرة.
وأوضح السفير البابوي في كييف أنه تلقى – خلال الأيام الماضية – العديد من رسائل التضامن التي بعث بها مؤمنون كاثوليك وغير كاثوليك، عبروا من خلالها عن قلقهم على صحة البابا، وهذا ما فعله أيضا العديد من المسئولين الرسميين. واللافت أن الأوكرانيين يريدون الاطمئنان على صحة الحبر الأعظم على الرغم من المعاناة التي يعيشونها، مع ارتفاع أعداد الضحايا بشكل كبير وفقاً لمعطيات منظمة الأمم المتحدة.
فيما يتعلق بالحدث الرابع والأخير، شاء السفير البابوي في أوكرانيا أن يتوقف عند التظاهرة من أجل السلام في البلاد والتي نُظمت في العاصمة كييف يومي 11 و12 من يوليو، من قبل الحركة الأوروبية للعمل غير العنيف، والتي تضم شخصيات من منظمات كاثوليكية إيطالية وغير إيطالية، الساعية إلى تفادي اندلاع الحروب قبل فوات الأوان وتحسيس الرأي العام على المخاطر التي تترتب عليها.
تابع المطران كولبوكاس تأملاته مشيرًا إلى أن الحرب الدائرة في أوكرانيا لا تعني أوكرانيا وحسب، كما اعتقد البعض في بداية الصراع، إذ إنها بدأت تنعكس على العديد من البلدان أخرى. وأضاف أن حرباً من هذا النوع تحاكي البشرية كلها، خصوصًا وأن الحرب العدوانية على أوكرانيا، تشكل تعدياً على حياة البشر، ولا تهدد السلام في أوكرانيا وحسب، بل تتعارض مع القانون الإنساني الدولي، وتهدد بالتالي الجميع. من هذا المنطلق اعتبر سيادته أنه لا بد من توعية المجتمعات على مخاطر الحروب وعلى أهمية السلام، لأن هذه القضايا لا تعني السياسيين وحسب إنما تعني كل فرد منا، ولكل واحد منا مسؤوليات لا بد أن يتحملها.
بعدها أكد الدبلوماسي الفاتيكاني أن النقاط الأربع التي تحدث عنها تكتسب أهمية كبرى بالنسبة لأوكرانيا، وللجماعة الكاثوليكية بنوع خاص، ذلك بالإضافة طبعاً إلى الهبة المميّزة التي يتضمنها هذا العام ألا وهي سنة الرجاء اليوبيلية. في الختام لفت سيادته إلى الأوضاع التي يعيشها المقاتلون على الجبهات الذين لم يرحبوا في بادئ الأمر بحضور المرشدين العسكريين بينهم، لكن سرعان ما تغيّرات نظرتهم وقد ارتفعت بشكل ملحوظ الاعترافات والصلوات التي رسخت الرجاء في قلوب العسكريين، وهذا الرجاء ليس رجاء بشرياً إنما هو رجاء يأتي من عند الله. وأكد السفير البابوي أن أوكرانيا تحتاج اليوم إلى الرجاء الذي لا يخيّب، وثمة حاجة أيضا للنمو روحياً وللشهادة للرجاء وللمساعدة الروحية والسيكولوجية والإنسانية.
(راديو الفاتيكان)