
بفرح وتهليل أهنئكم جميعًا بعيد ميلاد الرب يسوع: البطريرك إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيّة للأقباط الكاثوليك يقدم رسالة عيد الميلاد 2024
بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد، آمين.. إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا الأعزّاء القمامصة والقسوس الرهبان والراهبات المكرسين والمكرسات والشمامسة، وجميع أبناء الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر. “وجاؤوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود فلمّا رأوه أخبروا بما حدّثهم الملاك عنه” (لو ٢ : ١٦-١٧).
بفرح وتهليل أهنئكم جميعًا بعيد ميلاد الرب يسوع.. يتميّز عيد الميلاد بمظاهر وعلامات خارجيّة عديدة، مثل المغارة وشجرة الميلاد وغيرها. هي لطيفة طالما أنّها لا تشتّت انتباهنا، بل تساعدنا على أن نعيش المعنى الحقيقيّ والمقدّس لعيد ميلاد يسوع، بحيث لا يكون فرحنا سطحيّا بل عميقًا.
الميلاد: اختيارُ اللهُ البقاءَ معنا
يأتي عيد ميلاد رب المجد يسوع المسيح، ليجـدّد الـيقين بـأنّ الله حـقّا حـاضـر لنا، يأتي كي يلتقي بنا: “ولد لكم اليوم مخلّص”. لـم يـكتف ِ الخالق بـأن يُظهـر لنا آيـات رائـعة أو أن يكلّمنا ليـرشـدنا، بل شـاركـنا حدود إنـسانيّتنا ووهـبنا آفاق محبته الإلـهيّة. “أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له” كما نردّد في مدائح شهر كيهك. هذا هو سرّ التجسد الذي میّز وما زال يميّز تاريخ الإنسان “لأَنه هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.. (يو ٣: ١٦-١٧).
اختار عمانوئيل (الله معنا) أن يحضر في تاريخنا البشريّ بحدوده ومآسيه، في عالم يعاني من شر الانقسامات والحروب، ليعلن، بطريقة لا مثيل لها، عن قلب رحيم ومحبٍ للبشر.
الميلاد هو لقاء
الميلاد قبل كلّ شيء هو لقاء. اللقاء بشخص عمانوئيل، الله معنا، مع كلّ واحد منّا. هو النور الحقيقيّ الذي يهزم الظلمة التي تحاول غمر حياتنا وحياة الإنسانيّة كلّها. “النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه” (يو ١: ٥).
من هنا تأتي هدية الميلاد متى قبلنا مولود بيت لحم بقلبنا وحياتنا وسمحنا له أن يدخل ويبارك حياتنا. فبالميلاد الثاني الفوقاني تعود الحياة ويتعافى الـقلب ويتجـدّد الرجاء. ويصير عيد المـيلاد فرصة للاحـتفال بالثقة التي تغلب اليأس، والرجاء الذي يهب المعنى، فالله معنا ومازال يثق بنا.. وفي الميلاد، نلتقي حنان ومحبّة الله الذي ينحني فوق محدوديّتنا وضعفنا وخطايانا.
الميلاد دعوة ورجاء
وقف الله مرّةً وإلى الأبد إلى جانب الإنسان ليخلّصه وينفض عنه غبار بؤسه ويمحو خطاياه.
ليلة الميلاد يولد رجاء للإنسانيّة بشكل عام وللكنسية بشكل خاصّ. فميلاد الرب يسوع هو مبادرة تجدّد فينا قدرة التغلّب عــلى القلق الذي راح يسيطر عـلى نفوس الكثيري.
فأننا نشعر أن جزءاً منّا، وهو الأكرم، مهدور. وبالرغم من تعدّد وتقدّم تقنيات التواصل، صار كثيرون يميلون الي البقاء في عزلة أضعفت قدرتهم عـلى الـتواصـل! فظهرت معاناة فقدان التوازن واختلال الهوية.
في ليلة الميلاد تبيت البشرية، العطشى الي الله، خارج مغارة بيت لحم -مثل الـرعـاة البسطاء- الذين سيقودهـم الـروح الـقدس إلى مغارة بـيت لحم، ليلتقوا بمريم ويوسف والطفل تمامًا كما قيل لهم. وبعد أن رأى الـرعـاة “الله الظاهر في الجسد” أخبروا عنه بما قيل لهم
فـصاروا شهودًا ومعلنين للبشرى الـسارّة.
أَنتُمُ الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر”. (كول 3: 12). لنبتهج فـي الـرب يـا أحـبائـي، ولـنفتح قـلوبـنا عـلى احـتياجـات مـن يـنقصهم الـفرح. “فقد أَرادَ الله أَن يُظهِرَ لِلأَجْيالِ الآِتيَة نِعمَتَه الفائِقةَ السَّعة بِلُطفِه لَنا في المسيحِ يسوع” ( اف 2: 7).
لـتساعـدنـا نـعمة مـيلاد رب المجد على الانفتاح والخروج مـن ذواتـنا، لـنكون شـهودًا عـلى مـثال الـرعـاة، الذين لــم يحتفظوا لأنفسهم بفرحه اللقاء بالمخلّص، بل شاركوا أخرين بما اختبروا. لـيكن احــتفالنا وتــبادلنا الــتهانــي فــي هــذا الـيوم تعبيرًا عــن فرحة إيماننا أنّ الله مــعنا ويريد أن يرافقنا طريق حياتنا.
ختامًا
نرفع صلاتنا متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وأصحاب الغبطة بطاركة الشرق. نـصلّي معًا مــن أجل الــبلاد التي تعاني ويــلات الحـرب والــدمار والأزمات خاصةً: ســوريا، والسودان وأوكرانيا وفلسطين.. نـصلّي مـن أجـل وطـننا الغالي مـصر، ومـن أجـل رئيس الجمهورية عـبدالفتاح الـسيسي وكـل معاونيه، سائلين الرب أن يلـهمهم الـحكمة والتدبير الحسن لمواجهة التحديات المحلية والأزمات الدوليّة.
يا ربنا محب البشر، هبنا أن نتعلم ألا نغلق قلوبنا، لنرى في كل شخص صورة لكك.
وأن نبني جسور المحبة والتفاهم بين جميع الناس،
هبنا أن نرحّب بهدية سلامك ومشاركةُ القريبين والبعيدين،
فنجلب فرحة عيد ميلادك لكل الجميع.. آمين