
مطران الأرمن بدمشق يرد على تعديل محتوى المناهج التعليمية
علق الأب آرماش نالبنديان، مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وتوابعها، تعديلات على المناهج الدراسية بدلاً من التهنئة بحلول العام الجديد، وقال المطران؛ فوجئنا خلال الصفحة الرسمية لوزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة بصدور قرار إجراء تعديلات على المناهج الدراسية من الصف الأول وحتى الثالث الثانوي في الجمهورية العربية السورية للعام الدراسي 2024-2025 مُوقع من قبل وزير التربية نذير القادري.
وتساءل المطران؛ هل تم اختيار توقيت التعديلات على المناهج الدراسية في أول يوم من العام الجديد، بدلًا من أن تكون المبادرة الأولى التوجه بالمعايدة للمعلمين والمعلمات والطلاب، وقال: هل يُصدر بيان أو قرار أو قانون رسمي ويُعمم على مواقع التواصل الاجتماعي؟ علاوة على أن حكومة تسيير الأعمال هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية، وهي مرحلة انتقالية لأغراض تصريف الأمور، ولا يحق لها البت في الأمور المصيرية بسبب تجميد الدستور.
واستكمل مطران دمشق؛ لقد تفاجأنا بتكليف اللجان التي أقرت هذه التعديلات، ونتساءل عن مدى كفاءة أعضائها، وما هي المدة الزمنية التي استغرقها العمل على هذه التعديلات؟ وما هي الجهات التي تمت استشارتها وما هي الأسس التي استندوا إليها؟ والأهم من ذلك هل يحق لهم إقرار هذه التعديلات؟ فإن كل قرار استراتيجي وعلى رأسها قرار تغيير مناهج التعليم يحتاج إلى دستور، ويجب أن يكون عبر تقديم الحكومة المنتخبة اقتراحًا بذلك، لذلك يعتبر تغيير المناهج خطأ يجب التراجع عنه لأن هذا حق الشعب.
وقال مطران الأرمن؛ إن العديد من التعديلات تبدو أحادية الاتجاه ولا تتناسب مع طبيعة الشعب السوري وتنوعه، وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ حذف عبارة “حماة الديار عليكم سلام” فجملة “حماة الديار” ترمز لكل شخص يدافع عن وطنه، فالجندي يحمي الوطن والطبيب يحمي الوطن وعامل النظافة والمحامي والمهندس والمعلم جميعهم يحمون الوطن كلٌ من موقعه.
أيضًا تم حذف جملة “إعدام قادة الحركة الوطنية شهداء السادس من مايو عام 1816” فقط لأنهم أعدموا عل يد السلطات العثمانية، في خطوة تهدف إلى لوي الحقيقة وإلغاء تاريخ 400 سنة من الاحتلال والاستبداد العثماني.
أما تغيير عبارة “المغضوب عليهم” إلى عبارة “اليهود والنصارى” قد أصاب عقولنا بالعجز وألسنتنا بالشلل لأنها ضربت بعرض الحائط كل قيم العيش المشترك التي نسعى إليها في القرن 21، ألم يخرج علينا محافظ دمشق ليقنعنا بضرورة إحلال السلام مع دول الجوار، في إشارة واضحة إلى دولة إسرائيل؟
كما تم إلغاء بحث كامل عن علم “التطور” في مناهج علم الأحياء هو محاولة واضحة لطمس ورفض كل ما يتعلق بالبحث العلمي، وتجاهل نظريات ذات قيمة علمية عظيمة، استمرت عشرات بل مئات السنين، لماذا يتم رفض أن يطلع طالبنا على مسار تطور دماغه وجهازه العصبي، والذي ميزه به ربنا عن سائر مخلوقات الأرض ليتمكن من تطبيق مشيئته الإلهية؟
داعش من جديد
وتابع مطران دمشق: أن كل إنسان بذل دمه من أجل كرامة وحرية وطنه هو شهيد تنحني له الإنسانية، لنُبل تضحيته دون النظر إلى دينه أو مذهبه، أما هنا فقد تم حصر شرف الشهادة فقط بمن يستشهد من “أجل الدين الإسلامي”، وجميعنا كأفراد في المجتمع السوري نستخدم في لهجتنا اليومية عبارة “الصراط المستقيم” وهذه العبارة هي جزء من تربيتنا التي نشأنا عليها، وننشئ أبناءنا عليها، ولم نتوغل بيوم من الأيام في البحث عن أصولها في القرآن الكريم أو أي من الكتب السماوية، فلا تتسبب في اقتلاع جذور التربية والقيم الأخلاقية من باحات أدمغتنا.
فهل الهدف هو إلغاء صورة أو ذكر الملكة زنوبيا من مناهجنا؟ وإن تم فعل ذلك فهل سيتم إلغائها من صفحات التاريخ الإنساني؟ ألا يكفي لداعش ما دمرته من آثارنا العظيمة في تدمر بكل ما رأيناه من وحشية وحقد وغل؟ فالآن نحن لدينا الوجه الآخر لنفس العملة التي تعمل على تدمير الفخر والاعتزاز الذي نملكه في وجداننا عند ذكر هذه المرأة العظيمة.
تنصل من المهام
وفي صبيحة اليوم الأول من شهر يناير وبدلاً من الانتقال من عام 2024 إلى العام 2025، قد تم الإلقاء بنا وبأبنائنا في غياهب عصور غابرة، عندما قررت الوزارة إحلال التربية الدينية محل التربية الوطنية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تنصلكم من مهامكم في وضع أسس تربية وطنية جديدة تضع الوطن في بداية سلم الأولويات في المرحلة الجديدة، وهذا بدورنا لن نعتبره عيب، إنما عجز وفشل في وضع ملامح هذه المرحلة، عجز يجب تلافيه وتلافي آثاره في المستقبل.
(عنكاوا)