مقالات مختارة

حين نُحوِّل إيماننا إلى علاقة شخصيّة أساسها الثقة – جورجينا بهنام حبابه

يُعلِّمنا الكتاب المقدّس أنَّ الإنسان مهما أثقَلَ قلبَه اليأس وخيَّم عليه الانكسار طاغيًا على الرجاء، يستطيع الإيمان الحقيقيّ، حين يشرق بنوره، أنْ يُحوّل المستحيل إلى واقع حيّ، ويملأ قلب الإنسان يقينًا بأنّ لمسةً واحدة من المسيح تكفي لتعيد إليه الحياة وتمنحه الشفاء والسلام.

يُشرق يسوع كالشمس المضيئة في حياة كلّ واحدٍ منّا كما أشرق في حياة المرأة النازفة الدّمّ المذكورة قصّتها في أناجيل متّى ومرقس ولوقا، حينَ نمتلكُ إيمان هذه المرأة المُنهَكَة الجَسَدِ والرُّوح، وهو إيمانٌ يتجاوز حدود الشريعة اليهوديّة التي عدّتها نَجِسةً وحرمتها الصلاة والعلاقات الاجتماعيّة والحياة الزوجيّة والأمومة أيضًا، وفق ما شرح الأب أنطوان زيتونة، الكاهن في إيبارشيّة الموصل وعقرة الكلدانيّة، في حديثه عبر «آسي مينا».

لمسةٌ شافية

وأوضح أنّ مسيرة شفاء النازفة تعلّمنا الاقتداء بمثالها، فمع أنّها خسرت كلّ شيء، أموالها وصحَّتَها وكرامتها، لكنّها لم تفقِدْ رجاءَها. فجاءت متخفِّيَةً، رغم تزاحم الجموع، باحثةً عن اتّصال شخصيّ بيسوع، مترافقٍ باستعدادها لقبول نعمة الله، وإدراكها مجّانيّتها ومفاعيلها في حياتها، فكان لمسها، ولو ثوب يسوع، بإيمان قلبِها لا بإذنٍ من أحد، كافيًا لتُشفى وتعودَ إلى حياتها.

قد نشعر بالرهبة لوجودِنا في حَضْرَة الله أو يتملّكنا الخوف بسبب ما تفرضه علينا الحياة من ظروفٍ صحّيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة، ويغزو اليأس قلوبنا إثر إحباطٍ ورفضٍ متكرّرَين، لكنّ النازفة، وهي بحسب الشريعة اليهوديّة في حالة نجاسة، لم تخضع لأيّ منعٍ أو حظرٍ ينافي إيمانها الحارّ، بل بادرت فنالت شفاءً تامًّا للنفس والجسد، لتعلّمنا أنّ الله لا يرفض اللائذين به قطّ، بحسب زيتونة.

وأشار إلى أنّ القوّة الخارجة من يسوع هي قوّة الله، مصدر كلّ نعمة. فلم يكن اللمس الخارجيّ كافيًا؛ بل الإيمان الداخليّ هو الذي أتاح تدفّق النعمة في حياة هذه المرأة، فتحوّل الشفاء الجسديّ إلى رمزٍ للخلاص الكامل، عبر استعادة العلاقة بالله وبالجماعة، وكسر وصمة النجاسة.

“هأنذا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ”

ولفت إلى أنّ معجزة شفاء النازفة لم تكن غايةً، بل علامة تقود إلى اللقاء الشخصيّ مع المخلّص. فالخلاص ليس ثمرة المعجزة بقدر ما هو ثمرة لقاء شخصيٍّ بيسوع المُبادِر متسائلًا: “مَن لَمَسَ ثيابي؟”، قاصدًا دعوة المرأة للخروج من الخفاء إلى النور.

إذ لم يفهم التلاميذ عمق السؤال، أجابوا خارج السياق. لذا، جاءت نظرة يسوع باحثًا عمّن لمسه، لتؤكّد أنَّ المقصودَ هو دعوة المرأة نفسها إلى الاعتراف بإيمانها، لتنال العطيّة. فهذه الدعوة لن تصبح واقعيّة إنْ لم تَتَّخِذْ المرأة نفسها القرار بقبولها، فالله يدعو ويطرقُ الباب، لكنَّهُ لا يَكسِره أبدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى