العنف في المجتمع.. الأب يعقوب جابر يعقوب – مطرانية اللاتين
من المؤسف أن العنف صار مرضاً متفشياً مُعدياً في كل جانب من جوانب الحياة وفي مختلف الأوساط جرائم ما كنا نسمع عنها في الماضي القريب، والآن أخبارها تملأ صفحات صُحفنا وتنطق بها وسائل إعلامنا.
وحيث أنه بدأ بالأسرة وانتقل إلى المدرسة، فلابد أن يسيطر العنف على المجتمع، لأن المجتمع هو مجموع الأسر والمدارس، فإذا ساد على هؤلاء العنف، ظهر بصورة مؤلمة في المجتمع.
كان شعبنا طيباً مُتسامحاً، في حديثه فكاهة، في طلعته ابتسامة، في علاقاته الاجتماعية ألفة ومحبة تدل على الرضا والمسالمة، لكن اختلال القيم في مجتمعنا ليس وليدة المفاجآت، فإنما ظهر من سنوات عدة، حين سقطت رموز المجتمع على المستويين العام والخاص، واهتزت مكانة كبار السن ورموز المجتمع، وتحطمت القيم الوطنية باختراق الشباب من خلال المخدرات والجنس واستغلال ضعاف النفوس، وكذلك القيم الاقتصادية، وظهور نماذج مثل “الفهلوي والحدق”، المحتالين والمتربحين لإشباع نهم الثراء السريع والاحتياجات الشهوانية.
فمن يتخلف عن ذلك أصبح يلجأ للعنف، ويعتبر نفسه من جماعة “المقهورين” بسبب تحول رئيسه أو مديره إلى قاهر لمرؤوسيه، وتحوله إلى “فرعون في ذاته”، فتوارت الطبقة الوسطى التي هي العمود الفقري للمجتمع، وأفسحت طريقها لطبقات أخرى لصعود السلم الاجتماعي بطرق جهنمية، ساعدت على انتشار العنف.
وفي ظل الثراء الفاحش وبطرق محرمة، ساد التنافس العنيف، ولم يقتصر العنف والقتل على الطلبة الفقراء أو الأغنياء، بل وصل إلى رجال المجتمع ورجال المال الذين يقتلون غيرهم لأمور تافهة. ونحنُ نعتقد أن وراء كل عُنف في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع نجد للتليفزيون يداً فيه، رغم أن البعض يدافع عن التليفزيون ويُعلن انه برئ، لأنه يُساهم في إنشاء العنف بين هذه الطبقات عن طريق عرضه لأفلام العنف والجنس والمخدرات التي يعمل كل من يشاهدها على تقليدها. وقد تعالت أصوات ترفض أفلام العنف سواء في التليفزيون أو في مقاهي الإنترنت التي انتشرت في كثير من الأحياء، وحادت عن الدور الذي كان يجب أن تقوم به، وأصبحت وسيلة لعرض برامج العنف التي يُشاهدها أولادنا وشعبنا ليل نهار، سواء في السينما أو عبر قنوات الدش، وهذا يُعرَّض الجميع لحرب غير معلنة تهدف تدميرهم. وإلاّ فبماذا نُسمي هذا الكم من الأفلام التي تُشجع على العنف والجريمة، وهذا الانفلات في المجتمع، فالذي يهرب من أفلام العنف والجريمة يجد المخدرات والبانجو تُباع في الشارع.
نحن نحتاج فورا إلى رقابة كاملة على ما يقدم التليفزيون من أفلام وإعلانات لأن جميع أفراد الأسرة، سواء كانت فقيرة أو غنية تشاهدها. إننا نحيا في مجتمع ساده العنف بين الكبار والصغار، وإلا فبماذا نفسر هذا الكم من الحوادث التي نراها ونقرأها كل يوم؟ ما أحوجنا أن تعود بيوتنا إلى إعادة بنائها لتقوم على وحدة الأسرة وتماسكها ونبذ الفُرقة وشجب التعصب وإرساء السلوك حميد والمحبة، ليزرع كل في موقعه بذور الخير والمحبة والسلام بقدوة صالحة.
“فلنحب بعضنا بعضاً، أيها الأحباء لأنَّ المحبة من الله”(1يو4: 7). فعندما نملأ قلوبنا بمحبة الله، نبغض العنف، ويُقيم في داخلنا الروح القدس الذي هو يمنحنا السلام والمحبة والرجاء.