افتتاحية العدد

رموز عيد الميلاد – الأب رفيق جريش

بينما العالم كله في قلق بسبب الحروب في غزة واليمن ولبنان وأوكرانيا والوضع الجديد في سوريا، كذلك الإرهاب والبطالة والأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة وغيرها من المشاكل والمصاعب، إلا أن العالم كله يحتفل بعيد ميلاد يسوع المسيح، في مؤشر للأمل والرجاء بحياة أفضل. فما حكاية هذا العيد؟

بدأ الاحتفال بعيد الميلاد المجيد في بداية القرن الرابع بعد أن اعترف الملك قسطنطين سنة 312 بالمسيحية كإحدى أديان الدولة الرومانية. أما قبل ذلك، فقد كان عيد القيامة هو العيد الوحيد الذي تحتفل به الكنيسة. فقبل عصر السلام مع قسطنطين، كان عصر الشهداء، وكانت الكنيسة مضطهدة وتعيش في الدياميس، ورغم أن الكتاب المقدس لا يذكر تاريخا محددا لميلاد يسوع، إلا أن آباء مجمع نيقية الأولي سنة 325 ومجامع أخرى، قد حددوا التاريخ الذى نحتفل به اليوم.

بدأ العيد بتاريخ 6 يناير وكانوا يحتفلون بأربعة أعياد معاً. عيد الميلاد وعيد زيارة المجوس وعيد الغطاس وعيد معجزة عرس قانا الجليل وكانوا يسمونها أعياد الظهور. ولما كان 25 ديسمبر هو عيد الشمس عند الوثنيين، فقد رأت الكنيسة تنصير العيد، حتى لا يحتفظ المسيحيون الأولون بالعيدين الوثني والمسيحي معا. وبما أن المسيح يسوع هو “شمس العدل ونور العالم وشمس البر” كما ترتل الكنيسة، فقد نقلوا فقط عيد الميلاد من 6 يناير إلى 25 ديسمبر. والكنيسة الوحيدة التي مازالت تحتفل بالعيد كما كان في الأصل هي كنيسة الأرمن الأرثوذكس التي كنيستها بشارع رمسيس بجوار المستشفى القبطي.

أما الاختلاف بين الكنيسة الغربية (كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية) وبعض الكنائس الشرقية في تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد، يرجع إلى أن الكنيسة الغربية تتبع التقويم الغريغوري الذى يستعمله العالم أجمع (يناير، فبراير، مارس، أبريل… وهكذا) والكنائس الأخرى، ومنها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية في الصعيد والكنيسة الروسية الأرثوذكسية وغيرها، تتبع التقويم اليوليانى. والفرق بين التقويمين هو 13 يوما في حال التقويمين كان عيد الشمس قديما، والذي أصبح عيد الميلاد في تلك الحالتين.

يقام حول عيد الميلاد احتفالات روحية وتراتيل مبهجة، كما تتزين المنازل والمحال والشوارع والكنائس برموز تشير لصاحب العيد وأهمها: المغارة التي ترمز إلى مغارة بيت لحم، والتي بدأ تقليدها مع القديس فرنسيس الأسيزي بداية القرن الـ13 مع وضع الطفل يسوع في المنتصف، ثم القديسين يوسف ومريم وأيضا المجوس والرعاة مع بعض الحيوانات خاصة الحمار والثور، نسبة إلى نبوءة أشعيا النبي عن المسيح الذى لم يعترف به اليهود “الثور عرف قانيه والحمار عرف معلف صاحبه، أما شعبي إسرائيل فلم يعرفني” (أش 1: 3)، ثم الشجرة الخضراء التي ترمز إلى جذع يسي، أحد أجداد المسيح يسوع، وأيضا إلى شجرة الحياة المذكورة في سفر التكوين في العهد القديم، وتضاء بالشموع رمزا ليسوع المسيح نور العالم. ويوضع فيها كور يغلب عليها اللون الأحمر رمزا للثمرة الجديدة، ثمرة الحياة التي يعطيها يسوع المسيح، بدلا من ثمرة الموت التي أخرجت آدم وحواء من الجنة. أما النجمة، فهي تشير إلى النجمة التي هدت المجوس الثلاث الآتين من بلاد المشرق، وهم من الأغنياء والحكماء الوثنيين الذين جاءوا ليسجدوا ليسوع المسيح، بينما الرعاة هم من فقراء اليهود الذين جاءوا ينتظرون خلاصا بعيدا عن صراعات الأحزاب السياسية الدينية، التي كانت على الساحة في ذلك الزمن.

أحببت أن أكرس مقالي هذا إلى القراء الأعزاء عن عيد الميلاد حتى يعرف الجميع أصل العيد ورموزه وأهمية الاحتفال بالعيد احتفالا روحيا عميقًا.

الأب رفيق جريش

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى