
أيّ كنيسة نريد أن نورث أبناءنا؟ – جورجينا بهنام حبابه
لا يخلو طريق الكنيسة في خلال مسيرتها الإيمانيّة من مصاعب وعثرات. لكنّ تعاضد السائرين وثقتهم في الربّ السائر معهم يُمكِّنانهم من الاستمرار، منصتين إليه يدعوهم اليوم: آباءً، أمّهات، شبابًا وشابّاتٍ، علمانيّن ومكرَّسين، ليُدركوا أنّهم لا يحيَون للحاضر فقط، بل لأجل الغد أيضًا، بخاصّةٍ لأجل أجيال الكنيسة المقبلة.
يبرز دور الكنيسة عندما تكون أمًّا تصغي، تبذل، تشارك، وتعيش مع أبنائها أفراحهم وأوجاعهم، مدركةً مسؤوليّتها في أن تكون دومًا جزءًا من الحلّ، فتضع تاريخها وخبرتها وطاقاتها كلّها في خدمة مستقبل أبنائها، كما بيَّنَ المطران بشار متّي وردة، راعي إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة، في حديثه عبر «آسي مينا».
فالمؤمنون اليوم يحتاجون كهنةً وأساقفة لا يعدّون درجتهم منصبًا ارتقوا إليه، بل طريقًا يتعلّمون من كلّ خطوةٍ فيه كيف يكون كلّ واحدٍ منهم خادمًا متواضعًا بحسب قلب المسيح، وراعيًا لا يتقدّم رعيّته بل يسير معها، يصغي إلى صوتها، ويشجّعها على الثبات، بحسب وردة.
وشرح أنّ دور الكنيسة يشرع بجعلها التعليم المسيحيّ رفيقَ دربٍ حقيقيًّا لأبنائنا منذ الطفولة، ينمو في قلوبهم بفرح، ويُهيّئهم للمناولة الاحتفاليّة، ويُرافقهم لاحقًا نحو سرّ الزواج، أو ينير أمامهم طريق الحياة المكرّسة إن شعروا بنداءٍ خاصّ، ليكونوا في كلتا الحالتَين قادرين على نقل إيمانهم.
استثمارٌ حقيقيّ
وأضاف: «ليس التعليم المسيحيّ دروسًا بل مشروعَ حياة ويقظة روحيّة ومسيرة تربويّة تنمّي الإيمان وتحرّكه في المراحل كلّها، وهو بالنسبة إلينا استثمارٌ حقيقيّ في مستقبل الكنيسة. لذا، لا نرى أبناءنا وبناتنا مجرّدَ أطفالٍ أو شباب، بل هدف رسالتنا ووجهتها، ورسلًا نسلّمهم ما نعتبره كنز حياتنا ليُسلّموه بدورهم إلى أبنائهم، حافظين وديعة الإيمان».
وتابع: «واجبنا صون جمال ليتورجيّتنا وإغناء معانيها، وإيضاحها في الوقت نفسه، لنُسلّم أبناءنا وديعة الآباء مصونةً ومتجدّدة. فطقوسنا ليست مجرّدَ روتينٍ نُكرّره، ولا ألحانًا تطربنا، إنّها عمل الله فينا. ففي الليتورجيا، نعلّم أبناءَنا أنّ الصلاة ليست هروبًا من الواقع، بل هي دخولٌ أعمق إلى قلبه، وأنّ التراتيل تسبيحٌ يخرج من عمق النفْس، وأنّ اللغةَ الطقسيّة، وإن كانت قديمة، فهي تحمل في طيّاتها جذورَ هويّتنا، ونفَسَ آبائنا وأجدادنا، وميراثَ إيماننا».
وختم وردة مشدِّدًا على أنّ الحنين إلى الماضي لا يغني عن الشجاعة في الحاضر، والرجاء في المستقبل. «والكنيسة تزدهر حين نحبّ أبناءَنا كما أحبَّنا الله ونزرع فيهم الإيمان ونمنحهم أسبابًا حقيقيّة تدفعهم ليرغبوا، بشكلٍ شخصيّ، في أن يكونوا جزءًا منها. ومسؤوليّتنا تجاه الأجيال المقبلة ليست خيارًا، بل هي جوهر رسالتنا، نكملها لأنّنا نريد أن نورثَ أبناءَنا إيمانًا حيًّا يقوّي، لا حنينًا يتعب ويعذّب، وأن نسلّمهم كنيسةً تحبّ وتخدم وتصلّي، لا كنيسةً تحصي الخسائر وتندب الماضي».