ثقافة وفنون

قضايا مصرية.. ندوة ثقافية بكنيسة القديس كيرلس بمصر الجديدة.. سعد الدين الهلالي: الفتوى “رأي” لا تُلزم إلا صاحبها.. والقانون مخالف للدستور ولن يُضار به أحد.. والأنبا أنطونيوس: أحذر من تهديد مدنية الدولة والتحول لدولة دينية بخطى سريعة

نحن في أزمة حقيقية وصلاحية الزواج أصبحت تتنازع بين الهيئة الدينية والمدنية

استضافت كنيسة القديس كيرلس للروم الملكيين الكاثوليك، بالكوربة، بالاشتراك مع لجنة المواطنة الكاثوليكية، ندوة ثقافية بعنوان “قضايا مصرية”، تحدث خلالها الأنبا أنطونيوس عزيز المطران الشرفي لإيبارشية الجيزة والفيوم وبني سويف للأقباط الكاثوليك، الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر. وفي ختام اللقاء قام الإيكومونوس رفيق جريش راعي الكنيسة القديس كيرلس، بإهداء هدايا تذكارية للمتحدثين تقديرًا لدورهم الوطني.

في بداية الندوة تحدث الدكتور سعد الدين الهلالي حول قانون “تنظيم الفتوى” الذي قُدم من الحكومة ووافق عليه مجلس النواب وصدّق عليه رئيس الجمهورية في يونيو الماضي، وانتقد الهلالي السرعة في إصدار القانون التي لم تتجاوز شهرين فقط منذ خروجه من مجلس الوزراء وصولًا للبرلمان وعقد اجتماع حوار مجتمعي لم يحضرها إلا المنتفعين بهذا القانون- بحسب تعبيره- ثم مناقشة القانون بالجلسة العامة والموافقة النهائية على مواده.

واعتبر “الهلالي” أن مناقشة قضايا مثل قوانين الفتوى والأحوال الشخصية في الوقت الحالي بمثابة “تَرِفَ” و”رفاهية ثقافية” أمام التحديات التي تُحيط بمصر في السنوات التي نعيشها والجميع يعي ذلك جيدًا، حتى أصبحت نساء وأطفال فلسطين لا يجدون لقمة العيش، مع صَلِفَ وتبجح على مستوى العالم بدعم أمريكي، ونحن الآن في هذه اللحظة وهذا المكان نتناقش حول تحسين أوضاع وليس بشأن وجود، فمصر اليوم في تحدي وجود.. توجد أو لا توجد، انظروا إلى ليبيا التي انقسمت إلى دولتين، السودان انقسمت إلى دولتين، سوريا لثلاث دول، لبنان تفشل في اختيار حكومة وتكتلات مسلحة داخل لبنان.

واستكمل أستاذ الفقه بجامعة الازهر؛ نشكر الله إنه مكّن مصر من دعم وإغاثة غزة الأيام الأخيرة بإرسال شاحنات أدوية وطعام واحتياجات شخصية. واصفًا الأصوات التي تنادي وتضغط من أجل الزجّ بمصر في النار والدخول في حروب مع إسرائيل بـ”الموتورين”، فما معنى دخول شاحنات الإغاثة إلى غزة عبر معبر رفح بالقوة دون تنسيق مع إسرائيل والحصول على موافقة مبدئية من الجانب الآخر وتأمينها حتى وصولها!، هل التسّرع لا يمنع من استهداف الشاحنات بما تحمله ومن فيها؟ وبالتالي فالحكمة تحتّم علينا الصبر والعقل وإدارة الأزمة كما تفعل وتُدير بحق القيادة المصرية الحكيمة، لأن هذه ليست مجرد أزمة، إنما كارثة وتحدي كبير أمام الدولة المصرية.

قضيتنا الآن في مصر نوجد أو لا نوجد

وتحدث “الهلالي” حول قانون الفتوى متسائلا: “ناقصك ايه يا مصري، الفتوى؟ استفتي قلبك واطمئن.. دينك في قلبك وليس عند أشخاص، وإذا فرض عليك شخص عقيدة غير التي تقتنع بها “كبر دماغك”، خلينا إيد كلنا إيد واحدة، الحكومة والشعب يجب أن تكون مهمتهم الأولى الحافظ على دولتنا حتى تعبر الأزمة المحيطة، ثم نبحث عن تحسين الأوضاع في القوانين والحياة. مشددًا: وجودنا أهم من تحسين حياتنا”.

وقال “الهلالي”: إن إشكالية قانون الفتوى تكمن في الشهور الأولى من تنفيذه على أرض الواقع، فبمجرد إحالة أي مواطن على مستوى مصر للمحكمة بسبب قانون الفتوى، فورًا لن يحكم القاضي إلا بعد استشارة المحكمة الدستورية والتي ستنظر القانون وتجد في المواد ما يُعيق تطبيقه على أرض الواقع، وبالتالي ستحكم بعدم الدستورية وبراءة المتهم.

وبالتالي، فوقف العمل بالقانون مسألة وقت ليس أكثر، لأن نصوصه مخالفة صراحةً لنصوص الدستور وبالتالي القانون مُهدد بالبطلان، ومنها؛ اعتبار “الفتوى العامة” للمجتمع المصري بأكمله وليس للمسلمين فقط!، فأصبحت الفتوى العامة التي تصدر عن كل من (هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية) يصبح رأيهم على المجتمع المصري بأكمله بكل طوائفه، مسيحيين ومسلمين! وبالتالي السؤال الآن: ماذا لو وجد إنسان فتوى تخالف عقيدته هل سيقوم بتنفيذها، طبعًا لا، بمعنى آخر الدستور نص على حرية العقيدة وأن للمسيحيين شرائعهم الخاصة ولا يمكن بأي حال أن يكون مصدر فتواهم من دار الإفتاء!

لن يُضار أي حد من قانون الفتوى

وأكد د. سعد الهلالي بأنه لن يُضار أي أحد من قانون الفتوى، إلا إنه سيقف فقط بين يدي القضاء إذا تم رصده، ومع أول جلسة سيطالب بإحالة القانون للمحكمة الدستورية التي تطمئنكم بأن أول عوار بهذا القانون أن الفتوى العامة تشمل كل شعب مصر، وحول فوضى الفتوى المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أكد أستاذ الفقه المقارن؛ أن الفتاوى الشاذة التي تصدر عن بعض المحسوبين عن المؤسسات الدينية مصيرها إلى الزوال، لأن الشعب لديه وعي كافي في تفنيد ما يسمعه وما يتماشى ويتوافق مع ضميره وعقيدته.

الفتوى مجرد رأي لا تُلزم إلا أصاحبها

وقال الهلالي: أمران لا ثالث لهما المتسببين في إحداث الفتنة؛ الأول غفتلنا عن أن ما يجمعنا دستور وقانون، على عكس الفتوى أو الرأي، وإذا صدرت فتوى من الأزهر لن تطبقها الكنيسة إذا كانت مخالفة للشريعة المسيحية وهذه أمور بديهية ولا تحتاج لتخوف، فالفتوى في النهاية مجرد رأي لا يُلزم إلا صاحبه والفتوى لا تُلزم إلا صاحبها حسب قناعته وثقافته فكيف تُلزم غيره؟ لكن يلتزم الآخر بها عندما تتلاقى الفتوى مع هوى المتلقي ويجد فيها ارتياحًا وقبولًا، وبالتالي فقناعة المتلقي هي من سيدتّ المفتي عليه، على عكس العقد والدستور يُلزم أطرافه ومن وضع الدستور والقانون نواب الشعب. 

ملامح تديين الدولة!

من جانبه حذر الأنبا أنطونيوس من بعض التغيرات والتطورات التي تهدد مدنية الدولة وتؤدي بنا وبخطى سريعة نحو “دولة دينية”، ومن تلك المظاهر؛ عودة الكتاتيب، قانون تنظيم الفتوى، استقبال شيخ الأزهر وفد من السفراء المصريين بمناسبة بدء مهامهم الدبلوماسية، ورفع نسبة النجاح في مادة التربية الدينية في الثانوية العامة لـ70% بدلًا من 50%!!.. وقال الأنبا أنطونيوس: “جميعنا مواطنون علينا نفس الواجبات ولنا نفس الحقوق، أيًا كانت ديانتنا، فالدين يكون في الكنائس والمساجد، وليس في حياتنا العامة، لأن الدين لا يحكمنا بل يحكم ضمائرنا التي تدفعنا لاحترام الآخر حتى لو اختلفنا معه واحترام القانون، ومن ثم فإن دورنا في هذا الشأن هو رفع الوعي تجاه كل ما يُثار من قضايا في المجتمع لنكون جميعًا مواطنين صالحين، ومن غير المنطقي أن نسمع أصوات ترفض فتح المناقشات والحوار حول القضايا التي تهم ملايين المجتمع، فهذا أمر لا يصح”.

“قانون موحد” لكنه غير موحد على الإطلاق!

وأضاف المطران: بالحديث عن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين كنا نتكلم قديمًا بشأن الزواج وتبعاته وصولًا للإرث، فكان هناك المحاكم الملّية للمسيحيين والمحاكم الشرعية للمسلمين، وكل طائفة تحكم بحسب شريعتها، وفي 1956 صدر قانون 462 المعروف بـ”إلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم المليَّة وإحالة الدعاوى التي كانت منظورة أمامها إلى المحاكم الوطنية”، وهذا القانون أنهى وجود المحاكم الشرعية والملّية في مصر، وأحال جميع الدعاوى التي كانت تنظر أمامها إلى المحاكم الوطنية، وتُطبق حسب شريعة المتقاضين، أما في حالة اختلاف الطرفين في الملّة تطبق عليهم الشريعة الإسلامية.

ويرى الأنبا أنطونيوس عزيز أن الحل لقضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين الآن كان من الممكن أن يكون بسيط جدًا عن طريق تطبيق القانون طبقًا لشريعة العقد، أي يتم الانفصال أو الطلاق حسب طقس إتمام الزواج سواء بالطقس الكاثوليكي أو الأرثوذكسي وهكذا، إلا أننا وجدنا ما يسمى بـ”القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين”، “وبالنظر لمواد القانون الموحد هذا، والذي وجدنا فيه بعض الأمور التي تُبعد تمامًا بين الكنائس لا تُوحدها على الإطلاق، مثل تلك القضايا التي وُضع القانون على أساسها؛ كالطلاق.. الانفصال.. الإرث وأيضًا التبني.. “.

ويستكمل المطران: في إحدى المرات سألت حول تعبير “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان”، وبالنظر لما هو معمول الآن فلا يوجد طلاق على الإطلاق عند الكاثوليك، أما الأرثوذكس حددوا عدد من الأسباب للطلاق ثم جاء البابا شنودة وقصر الأمر على سببين فقط وهما (حالة تغيير الدين أو الزنا)، وبالنسبة للإنجيليين فلديهم أسباب عديدة للطلاق، وبالتالي كيف يتم التوحيد بين هؤلاء في قانون موحد؟ “مش هنضحك على بعض”، لكن ممكن نتفق على أمور مثل الخطبة، الحضانة، الشبكة، النفقة، الميراث. 

الحل في قانون مدني

للخروج من معضلة الأحوال الشخصية للمسيحيين؛ فيرى الأنبا أنطونيوس أن الحل لهذه الأزمات المتعددة والمتجذرة منذ عشرات السنين يكمن في “قانون أحوال شخصية مدني”، رغم أن الدولة لم تسعى أبدًا لقانون موحد للمسيحيين فهذا ليس في فكر الدولة، لأنه ليس من مصلحتها ولا تريد الدخول في هذا الخلاف من أصله، لكن من سعى في هذا الموضوع كانت الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة البابا الراحل شنودة الثالث الذي ألغى لائحة 1938 التي وضعها المجلس الملي واختلف حولها البطاركة، وكانت الدولة تعترف بالسلطة التشريعية في الكنيسة للمجلس الملي وليس للبطاركة، وأراد البابا شنودة تغيير وتعديل للائحة 1938 في غيبة البرلمان أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2008، وبعد عودة البرلمان ألغى القانون “وعادت ريما لعادتها القديمة” بالعمل بلائحة 1938، وأصبح القاضي المدني يُطبق شريعة الطائفة التي تم على أساسها عقد الزواج، واليوم نحن في أزمة حقيقية لأن صلاحية الزواج أصبحت تتنازع بين الكنيسة (الهيئة الدينية) و(المدنية)، رغم أن الحل أبسط من كل هذا، فقط إذا أردنا أن نكون مواطنين، بالفصل بينهما “زاوج مدني” و”زواج ديني” بعقدين منفصلين، لا دخل بينهما، فيستطيع الشخصين الزواج والطلاق بحسب القانون المدني والذي يمكن بالمناسبة أن يتسع للمسيحيين والمسلمين معًا، رغم أن هذا الاقتراح مرفوض تمامًا من الطوائف الثلاثة؛ الكاثوليك الأرثوذكس والإنجيليين. 

ووظيفة “القانون الديني” ودور الكنيسة هنا الإرشاد، فهل يستطيع الشخص إتمام هذا الزواج أم لا؟ وفي حالة ممناعة الكنيسة تقوم بحرمانه من الأسرار أو عدم اعتباره عضو كامل في كنيسة المسيح، ولأن الكنيسة لديها سلطة دينية والمسيح أعطى السلطة للرسل الإثنى عشر بقوله: “ما حللتموه على الأرض يكون محلولًا في الأرض”، لكن هذا في محكمة الضمير وليس المحكمة الخارجية، فمثلًا الكنيسة تدعونا بعدم السرقة لكنها لا تطارد ولا تعاقب السارق، فقط وحده القانون المدني الذي لديه سلطة العقاب. واختتم الأنبا أنطونيوس كلمته بالقول: الموضوع صعب ولعمل قانون مدني يتوافق حوله المسيحيين والمسلمين نحتاج لـ20 سنة مناقشات ودراسات، لكن في النهاية يصدر قانون مدني خارج إطار السلطة الدينية.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى