ثقافة وفنون

“قديسي فرنسيس” كتاب للبابا برجوليو صدر بعد وفاته ويتضمن رسالة كتبها البابا لاوُن

قُدم في دار الصحافة التابعة لدير الفرنسيسكان في أسيزي كتاب جديد للبابا خورخيه ماريو برجوليو، صدر بعد وفاته، ويحمل عنوان “قديسي فرنسيس”، وسيُباع في المكتبات الإيطالية بدءاً من 18 سبتمبر، وقد جاء العمل ثمرة لحوار جرى بين الحبر الأعظم الراحل والكاردينال مارشيلو سيميرارو عميد دائرة دعاوى القديسين، في الأشهر الأخيرة من العام المنصرم. ويتضمن المجلد رسالة من البابا لاون الرابع عشر بالإضافة إلى توطئة بقلم الكاردينال بيترو بارولين.

من خلال صفحات الكتاب شاء البابا لاون أن يتذكّر سلفه، وكتب أن المجلّد الجديد يسمح للقارئ أن يُصغي تقريباً إلى صوت البابا فرنسيس، مضيفا أنه يود أن يرفع الشكر لله على كل ما وهبه لنا من خلال الحبر الأعظم الراحل الذي وافته المنية في الحادي والعشرين من أبريل نيسان الماضي. يقع الكتاب في مائة وستين صفحة، وهو من إصدار دار النشر Messaggero في بادوفا، ويبدأ بتوطئة كتبها أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان يسلط فيها الضوء على العلاقة المميزة التي كانت قائمة بين البابا فرنسيس وقديس أسيزي، حتى أن برغوليو اختار أن يحمل اسم فرنسيس لدى انتخابه حبراً أعظم. 

رسالة البابا لاون الرابع عشر الواردة في الكتاب، تحمل تاريخ الثاني والعشرين من أيار مايو الفائت، يوم عيد القديس ريتا من كاشيا، ويشكر من خلالها البابا بريفوست عميد دائرة دعاوى القديسين الكاردينال سيميرارو على الجهود التي بذلها من أجل إصدار هذا العمل، ولفت إلى أن البابا فرنسيس لم يكتفِ باختيار اسم قديس أسيزي وحسب بل أراد أن يتماهى معه، ليجعل من القديس فرنسيس وجه الرسالة الجديدة للكنيسة.

وأضاف لاون الرابع عشر، في الرسالة التي كتبها بعد شهر على وفاة سلفه، أن الأثر الذي تركه موت البابا فرنسيس في النفوس ما يزال موجوداً، وتذكر ما قاله مرة البابا الراحل في معرض إجابته على سائلٍ استوضح منه ما إذا كان يخاف الموت، فقال له: عندما يصبح الإنسان طاعناً في السن يدرك أنه لم يعد لديه وقت طويل قبل أن يموت، والفترة المتبقية من العمر تتحول إلى فترة من النعمة لأنه يستطيع أن يستعد للموت، ويمكنه أن يعيد قراءة ماضيه، ويشكر الرب على كل ما وهبه إياه.

أما الكاردينال بارولين فكتب في مقدمة المجلد أنه عندما يتعلق الإنسان بقديس ما فهذا يحصل لأنه يرى فيه صديقاً، ومصدراً للإلهام كي يعيش الإنجيل بفرح. وأضاف أن هذا ما حصل في الواقع بين البابا فرنسيس وفقير أسيزي، مشيرا إلى أن الأثر الذي تركه القديس فرنسيس على حياة البابا برغوليو يظهر في أبعاد وجوده وفي تصرفاته وخياراته، في مشاعره ورغباته ولقاءاته والوقائع التي عاشها.

ولفت نيافته إلى أنه من خلال هذا الكتاب يطالعنا البابا فرنسيس على الخبرات التي عاشها في حياته، وبذلك يستطيع القارئ أن يتذوّق الآثار المباركة التي تركها قديس أسيزي في نفس البابا الراحل فساعده ليكون مثله، ممتناً جداً للرب ويرغب في اكتشافه في الفقراء، وفي التعبير عن محبته له من خلال المتألمين والمتروكين. ورأى أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان أن الشهادة التي قدمها البابا برغوليو في الأشهر الأخيرة من حياته هي بمثابة وصيته الروحية المصنوعة من الذكريات الحيّة ومن رفع الشكر إلى الرب، مضيفا أن النظرات النيّرة والهادئة التي ميزت البابا الراحل في آخر أيامه تندرج في سياق الفرح والامتنان لله اللذين عبر عنهما قديس أسيزي قبيل موته.

من بين المشاركين في المؤتمر الصحفي الذي عُقد عصر أمس الكاردينال مارشيلو سيميرارو الذي أكد أن البابا فرنسيس تماهى مع القديس الذي حمل اسمه، وهذا الأمر بدا من خلال النمط الذي ميز حبريته، وأيضا من خلال الطريقة التي واجه فيها الأوضاع التي عاشها. ورأى نيافته أن قداسة القديس فرنسيس يمكن أن تساعدنا على فهم حبرية البابا برغوليو، وتوقف سيميرارو في هذا السياق عند الرسائل العامة التي كتبها البابا فرنسيس والتي كانت مستوحاة من فقير أسيزي، لاسيما رسالتَي “كن مسبحاً” وFratelli Tutti.

كما لفت نيافته إلى أن الكتاب الجديد يتناول أيضا مواضيع شأن الحوار مع الإسلام وباقي الديانات، والعناية بالخليقة، وذكّر بأن البابا الراحل كان يصر دائماً على أهمية النظر إلى العالم من خلال الضواحي الوجودية، والأشخاص المهمشين والمقصيين، كما سعى إلى الترويج لكنيسة تخرج من قوقعتها متبعةً نمط القديس فرنسيس، لأن هذا الأمر يساعد على اكتشاف الواقع من وجهة نظر مختلفة. وأضاف سيميرارو أن البابا برغوليو جعلنا ننظر إلى شخصية القديس فرنسيس كتوجيه لكنيسة اليوم.

لم تخلُ كلمة عميد دائرة دعاوى القديسين من الحديث عن التزام البابا الراحل من أجل السلام، وهو جهد يواصله اليوم البابا لاون الرابع عشر. وقال نيافته إنه على الرغم من فشل الجهود السلمية الذي نشهده لا بد ألا يثنينا هذا الأمر عن الحديث عن السلام، وقد استخدم كلاهما صورة البذرة، مؤكدَين أننا عندما نتحدث عن السلام نلقي البذور التي يجب أن تلج قلب الإنسان وتحركنا الثقة بأنها ستنبت يوما ما.

ختاماً، وفي معرض رده على سؤال من أحد الصحفيين عما إذا كان يحتوي الكتاب الجديد على مقطع يثير اهتمامه بنوع خاص، قال الكاردينال سيميرارو إن ما ترك أثرا في نفسه هو أن المجلد الجديد يتحدث عن الشيخوخة وكيف يصبح الإنسان طاعناً في السن ويتعين عليه أن يستعد للموت. وقال نيافته إنه في العام ٢٠٢٤، عندما تم إعداد الكتاب، لم يتصور للحظة أنه في السنة المقبلة، وبعد أسبوع واحد فقط من انتهاء العمل على المسودة، كان البابا فرنسيس سيرحل عن هذه الدنيا، مذكراً بأن برغوليو تناول أيضا هذا الموضوع في الكتاب، مشيرا إلى ضرورة أن يكون الإنسان مستعداً ليعيد النظر في كل علاقاته كي يتمكن من العيش بسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى