
فوجئ القائمون على المتحف المصري الكبير ومعه قطاع كبير من المجتمع بهذا القدر الكبير من المصريين الذين أرادوا أن يزوروا هذا المتحف الجديد: فالعدد لم يكن متوقعاً، وهذا هو الذي سبب زحام اليوم الأول والثاني والأيام التالية والذي تلاه التنظيم. كأن المصريون يريدون أن يتعرفوا على أجدادهم، أو بالأحرى، على هويتهم الفرعونية والتي تجعلهم يشعرون بالفخر والتميز، خاصة لدى الشباب. ولا يخفي على أحد أن افتتاح المتحف الكبير الجديد أتى بعد ملحمة السلام في شرم الشيخ التي أثبت أن لمصر دوراً محوريًا وإقليميًا لا يمكن تجنبه. وقد كسبت مصر عدة جولات في مباحثات السلام ضد من كانوا يريدون فشل هذه المباحثات، ولكن الضغط المصري على الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم على إسرائيل وأيضًا حماس كان محسوسًا. فتلك الجماهير التي زحفت على المتحف الكبير الجديد كانت تحتفل بزعامة دولتها وكأنها تقول للعالم أن حضارة مصر وثقلها ليس فقط في الماضي ولكنهما انتقلا من الماضي إلى الحاضر عبر الزمن.
اجتاحت موجه من التشبع بالهوية المصرية مع الافتتاح، وذلك لدى كل فئات الشعب، خاصة الشباب، وظهر ذلك جليًا في الأعداد الغفيرة التي ذهبت في الأيام التالية، وأيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي شهدت نشاطًا غير اعتياديًا في إبراز التاريخ الفرعوني. وهذا الحدث الجلل الذي كان خير إعلان وإعلام للعالم أن مصر هي الماضي والحاضر والمستقبل معاً.
الشباب بالذات هم أكثر فئة قابلة للبحث عن هويتها وانفتاحها الثقافي، ليس على ماضيها فقط، ولكن على حضارات العالم وثقافته وتاريخه وأصوله. ويكفي أن بعض من ذوي الاتجاهات المغرضة والذين أرادوا تنغيص الفرحة بأمور صبيانية، لم يجدوا آذان صاغية من الجمهور العريض أو من الشباب.
لذا على الحكومة ومعها المفكرين والكُتاب وكل مسئولي العمل الثقافي فتح الآفاق الواسعة أمام الشباب، حتى لو أخطأ بسبب قلة الخبرة. أدعوكم لتضعوا ثقتكم فيه، كما أدعو وزارة التعليم أن تراجع بدقة وبعمق مادة “التاريخ” في جميع المراحل، حتى تواكب هذه الطفرة الجميلة والكبيرة بنزعة الانتماء التي سيطرت على الشعب المصري، والتي يجب أن تتم ترجمتها في مناهج جديدة تعرّف المصريين تاريخهم الأصيل الممتد على مدار 7000 سنة وأكثر، والذى فيه ثراء كبير يؤثر على تكوين الشخصية المصرية في مواكبة الحدث الكبير، وأحداث أخرى كبيرة سياسية واقتصادية وثقافية تنتظرها مصر.


