افتتاحية العدد

القديس كارلوس أكوتيس وجه القداسة الحديثة – الأب رفيق جريش

في زمنٍ تزداد فيه المسافات بين الإنسان والله بسبب الانشغالات والسرعة التكنولوجية الكبيرة، ومتطلبات الحياة العديدة، يشرق نور قديس شاب يذكّر العالم بأن القداسة ليست بعيدة، بل ممكنة حتى في وسط الإنترنت ووسائل التواصل. إنّه القديس كارلوس أكوتيس، الفتى الذي استخدم الكمبيوتر ليُعلن أن يسوع حيٌّ في القربان، وأن القداسة ليست للأزمنة القديمة فقط، بل لكل جيل يفتح قلبه للمسيح.

وُلد كارلوس أكوتيس في 3 مايو 1991 في لندن لعائلة إيطالية، ثم انتقل إلى ميلانو حيث نشأ هناك. كان طفلًا عاديًا يحب الحياة واللعب، لكنه تميّز منذ صغره بمحبة عميقة للقداس وللإفخارستيا.

كان يقول دائمًا: “القربان هو الطريق السريع إلى السماء.” ومنذ أن نال المناولة الأولى، لم يترك حضور القداس اليومي أبدًا، وكان يقضي وقتًا طويلاً في الصلاة أمام بيت القربان.

أحب كارلوس التكنولوجيا والإنترنت مثل أي شاب في جيله، لكنه استخدمها بطريقة مختلفة ليس للترفيه فقط، بل لخدمة الله.

في سن الثالثة عشرة بدأ مشروعًا إلكترونيًا يوثّق المعجزات الإفخارستية حول العالم، مستخدمًا مهاراته في التصميم والبرمجة ليجمع الدلائل والصور والشهادات، وكان يؤمن أن التكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة مقدسة إذا استُخدمت للخير، وكان يردد:” كل الناس يولدون كأصل فريد، لكن الكثيرين يموتون كنسخ مكررة.”

كلمات بسيطة لكنها تلخّص رؤيته للحياة: أن نعيش بطريقتنا الخاصة التي خلقنا الله من أجلها، لا أن نقلّد الآخرين.

في عمر الخامسة عشرة، أصيب كارلوس بمرض سرطان الدم (اللوكيميا). وعندما علم بمرضه لم يجزع، بل قال: “أقدّم آلامي من أجل البابا ومن أجل الكنيسة.” تحوّل مرضه إلى صلاة، وألمه إلى تسليم، وحياته القصيرة إلى شهادة عظيمة. وتوفّي في 12 أكتوبر 2006، وهو مبتسم، بعد أن قال: “أنا سعيد لأنني عشت حياتي دون أن أضيع دقيقة واحدة فيما لا يرضي الله.”

دُفن جسده في أسيزي، مدينة القديس فرنسيس، في تابوت زجاجي حيث يمكن للحجاج رؤيته.

بدأت الكنيسة دراسة حياته بعد وفاته، وانتشرت شهادات كثيرة عن معجزات حصلت بشفاعته.

في عام 2020 أُعلن طوباويًا بعد الاعتراف بشفاء طفل برازيلي بشفاعته، وفي عام 2025 أعلنه البابا فرنسيس قديسًا، ليصبح أول قديس من جيل الإنترنت وبهذا، صار كارلوس مثالًا للشباب في كل مكان، يبيّن أن الإيمان لا يتعارض مع الحداثة، وأن القداسة ممكنة في حياة الدراسة والعمل والهوايات، إذا كانت مكرّسة للمسيح.

كارلوس أكوتيس يذكّرنا بأن الله حاضر في كل زمان، وأننا مدعوون لاستخدام ما بين أيدينا: التكنولوجيا، الوقت، المواهب، لخدمة الآخرين ولمجد الله. ويقول لنا اليوم: “إذا اقتربت من يسوع، تصبح قديسًا أنت أيضًا” .

كارلوس أكوتيس رسالته بسيطة وعميقة: أن نعيش حياتنا في حب الله، وأن نكون نورًا في العالم حتى من خلف شاشة.

هو الشاب الذي حوّل الإنترنت من وسيلة لهو إلى منبر للإيمان، وحوّل مرضه إلى فرصة حب. وهذه هي قصته دعوة لكل شاب وشابة أن يعيشوا إيمانهم في بساطة وفرح، وأن يثقوا أن القداسة ليست حلمًا بعيدًا، بل طريقًا يبدأ من القلب.

نقول لشبابنا اتخذوه قدوة لكم في حياتكم، واتركوا هيافات العالم، وأعطوا وقتاً لله وعيشوا كلمات يسوع المسيح في حياتكم، فهي الأبقى والأعظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى