
في زمن الصيام يدخل الإنسان في جو روحاني يشبه الإغلاق، إغلاق الأشياء الكثيرة في حياته كالرذيلة والنميمة والشتيمة والأعمال القبيحة ومخاصمة الآخرين.
وهذا الزمن هو زمن إغلاق تام لهذه الأشياء، الإنسان الذي لديه إرادة قوية يغلق على هذه الأشياء، ولكن هذا الإغلاق لا يعنى الكسل الروحي أو اللامبالاة وعدم الاهتمام بالآخر أو عدم الاهتمام بالله.
فإذا أغلقنا أشياء، نفتح أشياء أخرى ربما نسيناها في أزمنة خارج الصوم. إن محبة القريب والبحث عن الآخر وعن الفقير وعن العريان وعن العطشان والمهمش لكي نعطيهم القوت اليومي المادي، ولكن أيضا لكي نكرز لهم الخبر السار، لأن المسيح قام من بين الأموات وهم يشتاقون إلى كلمة تعزية نعطيها نحن لهم.
يقول البابا فرنسيس في رسالته للصوم أنه لابد أن نعيش صوم محبة.. بمعنى أن نعتني بالذين يعيشون في ظروف معاناة أو هجر أو حزن.
وفي سياق عدم اليقين الكبير إزاء المستقبل، نتذكر الكلمة التي وجهها الله إلى عبده: «لا تخف لأنى فديتك» (أشعياء ١:٤٣). فلنقدم مع محبتنا كلمة ثقة، ونجعل الآخر يشعر بأن الله يحبه كابن له، من خلال نظرة تحول بفعل المحبة التي تحملنا إلى فهم كرامة الشخص الآخر، فنعترف بالفقراء ونقدرهم بكرامتهم السامية، ونحترمهم في أسلوبهم وثقافتهم، وبالتالي يتم إدماجهم حقا في المجتمع.
الصوم ليس انقطاعاً عن الأكل أمام الله والناس كما يفعل الفريسي الذي يذكر ربه أنه يصوم في الأسبوع يومين (لوقا ۱۲:۱۸)، بل هو بالعكس، تواضع واسترحام وضبط ميول وتحرر …
الصوم صرخة من القلب إلى القلب، صرخة من قلبي إلى قلب الله، الصوم هو ذلك الحوار الدائم الذي يجعلني في صلة متواصلة مع الرب، أجوع جسدي لتجوع نفسي إلى المسيح وأشارك الجياع كل حياتهم فينمو حسى بالمسئولية عن إخوتي.
«الصوم» هو فترة روحية يقضيها الجسد والروح معا في عمل روحي. فيشترك الجسد مع الروح في عمل واحد هو عمل الروح، وهو يشترك معها في الصلاة والتأمل والتسبيح والعشرة الإلهية. فعلينا أن نصلى ليس فقط بجسد صائم، إنما أيضا بنفس صائمة. بفكر صائم وقلب صائم عن الشهوات والرغبات، وبروح صائمة عن محبة العالم فهي ميتة عنه وكلها حياة مع الله تتغذى به وبمحبته.
الصوم بهذا الشكل هو الوسيلة الصالحة للعمل الروحي، هو الجو الروحي الذي يحيا فيه الإنسان جميعه بقلبه وروحه وفكره وحواسه وعواطفه.
في زمن الصوم علينا أن نهتم أكثر كيف ننمو روحيًا وفكريا وعقليا مع الله لينعكس بذلك على كل من يحيط بنا ليتعرف الآخرون على محبة الله ورحمته الواسعة من خلالنا ، إذا دعونا أن نكون فى زمن الصوم المقدس نحن الرسل.