افتتاحية العدد

الصحوة الضميرية الغربية – الأب رفيق جريش

يبدو أخيراً أن العالم الغربي بدأ يصحو من غفوته تجاه القضية الفلسطينية بعد أن ظهرت المآسي والجرائم الإسرائيلية في غزة التي تفوق كل فكر وكل تصور.

فقد جاء إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين، ومن بعده بريطانيا، ومن بعدها البرتغال، وإن كن خطوات أوليه، لكنها في غاية الأهمية، بل تاريخية، رغم إنها لا تؤدي مباشرة إلى قيام دولة فلسطينية، لكنها تبعث برسالة قوية، مفادها أن القضية الفلسطينية ولم تمت ولن تُنسى، وأن الشعب الفلسطيني لن يزول، وأنه لا يمكن الاستمرار في الاحتلال إلى الأبد.

وربما هذه هي الحسنة الوحيدة التي خرجنا بها من خراب غزة: إيقاظ الضمير العالمي ووضعه أمام مسئوليته. وقد تشجّع هذه الخطوة دولًا أخرى على أن تحذو حذوهم، وهى تضيف بلا شك مزيدًا من الضغط السياسي على إسرائيل، ومن ثم على إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، والعالم يزداد تمسكًا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. لذا، يمكن اعتبار ذلك مؤشر على تحول متزايد في موقف المجتمع الدولي تجاه هذه القضية.

إن المطالبة بـ”حل الدولتين” يعود رسمياً إلى قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242 والذي صدر بعد حرب 1967، مستنداً إلى قرار التقسيم في 1948، أي منذ ما يقرب من ستين عاما، الذي بسطت فيه إسرائيل سيطرتها على باقي أرض فلسطين التاريخية، وهو ما اعتمده البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني. ثم أصبحت فكرة “حل الدولتين” إحدى أساسيات التفاوض في أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

غير أننا نشهد اليوم قوة ومصداقية، واقتناع دولي غير مسبوق لفكرة “حل الدولتين” ليس كمجرد إحياء لفكرة قديمة مجمدة، وإنما نتاج لمقاومة صلبة، ولتضحيات جسيمة، على مرأى ومسمع من العالم كله على أرض غزة الباسلة، ضد العنصرية الإسرائيلية البغيضة. لقد حركت تلك المقاومة المشهودة كل أصحاب الضمائر الحية في العالم، بما فيها قلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة رغم إحكام اللوبي الصهيوني قبضته عليها. وقد تكلفت ما يزيد على 60 ألف شهيد، وما يزيد على 110 آلاف جريح، وسط أنقاض وحطام لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن لا شيء بلا ثمن.

وبعد ما يقرب من قرن من الصراع بين العرب وإسرائيل، وعبر مراحله الطويلة والمريرة، يتبلور الآن، أكثر من أي وقت مضى، حديث دولي جاد وناضج، عن “حل الدولتين”، الفلسطينية والإسرائيلية! ويكتسب زخما دوليا غير مسبوق.

وأكد ذلك السفير بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، خلال لقاءاته على هامش مشاركته في مؤتمر التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين في نيويورك، فتحدث عن “ضرورة الاستفادة من الزخم الدولي المصاحب للمؤتمر في زيادة وتيرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة”.

وأخيراً، نتمنى أن يصاحب هذه الصحوة الضميرية الغربية أفعال حقيقية، ليس فقط بالاعتراف بدولة فلسطين، ولكن بالضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في اتجاه حل الدولتين لكي ننهي زمناً من الصراع فهذا في مصلحة الجميع وننتقل إلى مرحلة السلم وبناء البشر قبل الحجر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى