افتتاحية العدد

البابا الجديد.. هل من توقعات؟ – الأب رفيق جريش

ما أن أغمض البابا الراحل فرنسيس عيونه وطارت روحه إلى خالقها، بدأت أجهزة الإعلام الكبرى المتمثلة في المحطات المشهورة والصحف الكبرى العالمية والإعلام الصغير المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي الغير متخصص، في نشر أسماء بعض المرشحين للبابوية واستعراض تاريخهم، ويصفونهم حسب تصنيفات السياسة: فهذا محافظ، وذاك ليبرالي وما إلى ذلك من المسميات السياسية.. وتبارت هذه الأجهزة في رفع سقف التوقعات، وللأسف هي مُضللة للرأي العام، بدليل أن القديس يوحنا بولس الثاني لم يتوقعه أحد، لأن كل الباباوات قبل ذلك، منذ أكثر من 600 سنة، كانوا إيطاليين (قبل وحده إيطاليا في النصف الثاني من القرن الـ19 وبعدها). فهو بولندي الجنسية، وكانت دولته تحت نير الشيوعية السوفيتية. كذلك البابا فرنسيس نفسه، لم يتوقع أحد أن يأتي بابا من دولة من دول أمريكا اللاتينية، وهي الأرجنتين، وهي أيضا دولة من دول العالم الثالث. إذا الانخراط فيما وراء التوقعات الإعلامية خاطئ، لأن ذلك ليس هو النظام الكنسي.

النظام الكنسي يترك مجال للتشاور، قبل انعقاد مجمع الكرادلة (الكونكلاف)، لكن بعدها يكون المجال للصمت والتأمل والصلاة، ومع الكرادلة كل المؤمنين المدعوين للصلاة من أجل الاختيار الإلهي. فالكنيسة تؤمن أن الاختيار النهائي يكون من الله الذي له الكلمة الأخيرة وليست مجموعة كذا أو كذا، كما يحصل في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، لذلك اختبرت الكنيسة أن مِن مَن اعتلوا السدة البطرسية لم يكونوا في حسبان أحد وخارج التوقعات الإعلامية.

الشيء الثاني المهم أيضًا أن لكل بابا أسلوبه الشخصي في قيادة الكنيسة، طبقا للظرف التاريخي الذي يقود فيه البابا الكنيسة. ومثال على ذلك أن بعد الحرب العالمية الثانية وظهور الإلحاد والشيوعية وإرهاصات ثورة الشباب، رأت الكنيسة في شخص البابا يوحنا الثالث والعشرون أن عليها أن تتجدد لتواكب العصر. لذا دعا هذا البابا إلى انعقاد مجمع هام جداً هو المجمع الفاتيكاني الثاني (1963–1965). لم يكن بهدف التجديد في العقائد، ولكن التجديد في أسلوب التواصل الرعوي وأسلوب الخطاب الديني المعطى للمؤمنين وهنا أصبح للكنيسة خطابا أكثر إنسانية ورحمة وقرباً من العالم، وفتح مجال للحوار مع الإسلام واليهودية وغيرها من الأديان الروحية والإيديولوجيات المختلفة. فكان خطابا انفتاحيا على عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ومواكباً للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الزمن.

إذًا الشروع في “المضاربة” بالتوقعات ليس له أي مفعول أو مجال من الإعراب. ومن المهام الأولى للبابا أن يكون عنصرًا للوحدة في الكنيسة وأن يكون المعلن الأول للإيمان المستقيم، وكذلك المعلم الأول الذي يعظ ويقود مؤمنيه.

فلنضع ثقتنا في اختيارات الله، ولا يبقى لنا إلا أن نبعد من “روح العالم الفاني” ونظل نرفع صلواتنا ودعاءنا ليكون الاختيار على حسب قلب الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى