Uncategorized

مسيحيو غزة إرث يواجه “التطهير العرقي”: هنا ولدنا وهنا عشنا وهنا نموت

قبل أسبوع من استهداف العدوان الإسرائيلي كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية في غزة في 19 أكتوبر الماضي واستشهاد 17 شخصًا من مسيحيي القطاع، وجّه الراعي السابق لكنيسة اللاتين في غزة الأب مانويل مسلّم، رسالة إلى أهالي غزة وضمنهم مسيحييها، مفادها: “يا أهلنا في غزة، الصمود على كل شبر من الأرض، الثبات على كلّ حبّة رمل، إن قصفوا منازلكم فاحذروا أن يقصفوا إرادتكم وشجاعتكم، إن رحل بيتكم بالهدم فلا ترحلوا أنتم. اليوم يوم التحرير وقهر الغزاة، وما يحدث في غزة اليوم هو انتصار لقضيّتنا، ما يحدث اليوم هو أول بُشرى بتحقيق عودتنا، اليوم ليس يوم الرحيل بل يوم العودة، من رحل منكم فليعد إلى بيته المهدّم وليسكن على أنقاضه”. ثم خاطب الأب مسلّم العالم  الذي “يدعي وينادي بحقوق الإنسان وكرامته وحريته” كما وصفه، ليحمّله مسؤولياته: “إسرائيل تهدم بيوت المدنيين على رؤوس أهلها الأبرياء، لأنها لا تحارب العسكر بل المدنيين، مئات النساء والأطفال والشيوخ يذبحون بأمر عسكري، هذه الأفعال جرائم حرب ضد إنسانية الإنسان وضد القانون الدولي وضد ضمائر كل الأحرار في العالم. فلماذا تسكتون وتتغاضون عنه؟ صمتكم يعني مشاركتكم في الجريمة، يجب عليكم أن توقفوا هذه الوحوش المجنونة”.

بعد مأساة قصف الكنيسة الأرثوذكسية، نقل القس الدكتور متري الراهب، من الكنيسة البروتستانتيّة اللوثريّة ورئيس جامعة دار الكلمة في بيت لحم، والتي تملك فرعًا في غزة، للمفكرة عن مسيحيي القطاع قولهم “هذه بلدنا وهنا ولدنا وهنا عشنا وهنا نموت”، موقف يتناغم مع نداء الأب مسلّم، والأهمّ يعكس علاقة مسيحيي غزة بأرضهم ووطنهم وقضيّتهم تاريخيا ولغاية اليوم. هم الذين سجّوا شهداء الكنيسة أرضًا ولفّوهم بالخرَق البيضاء كما إخوانهم في غزة بعدما نفدت الأكفان ثم دفنوهم في مقبرة الكنيسة، من دون توابيت خشبية، خلافا لما درجت عليه عوائد المسيحيين.

وذهب بيان البطريركية الأرثوذكسية في القدس، والتي تملك الكنيسة المستهدفة في غزة، في الاتجاه نفسه. فقد أكّدت أنها “مصممة على مواصلة أداء واجبها الديني والأخلاقي بتقديم المساعدة والدعم والمأوى للأشخاص الذين يحتاجون إليها، حتى وسط المطالب المستمرّة من الجانب الإسرائيلي بإخلاء تلك المؤسسات من المدنيين، والضغوط التي تمارس على الكنائس في هذا الصدد”. واعتبرتْ البطريركيّة أنّ “قصف الكنائس ومؤسساتها، التي توفر الملاجئ لحماية المدنيين الأبرياء، وخاصة الأطفال والنساء الذين تشردوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق المأهولة بالسكان تشكل جريمة حرب لا يمكن تجاهلها”.

وصدمة استهداف الكنيسة الأرثوذكسية دفعت بعائلات مسيحية غزاوية إلى تنظيم معمودية جماعية للأطفال تحت نيران العدوان “تحسبًا للموت نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في الوقت الراهن”، وفق ما عبّر عنه المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس. وقد أوضح عطالله في بيانه أن “المعمودية الجماعية لأطفال غزة أجريت في الكنيسة الأرثوذكسية، وجاءت بناء على رغبة الأهالي، لينال أطفالهم سرّ العماد المقدس، في حال تعرضوا لأيّ سوء”.

وتحت عنوان “إلى جنات الخلد أيها الأقمار”، نعت مجموعة الكشافة الأرثوذكسية العربية بغزة في 11 أكتوبر من أسمتهم “شهداء الحركة الكشفية الكشاف المتقدم يامن محمد أبو كميل وعمه القائد جلال يوسف أبوكميل بقصف الطيران الإسرائيلي المحتل”، على صفحتها على فيسبوك.

ولم يقتصر الاستهداف العدواني الإسرائيلي لمسيحيي غزة على استشهاد 17 من بينهم، بل استشهد أيضًا ثلاثة فنانين من المتطوعين في الأنشطة والخدمات التي تقدمها مؤسسات كنسية، وهم الفنانة التشكيلية هبة زقطوط، والفنان الأدائي محمد سامي الذي استشهد عندما كان بصدد تنظيم أنشطة مسرحية وغنائية للأطفال النازحين إلى المستشفى المعمداني ليرفّه عنهم فقتلته إسرائيل مع الأطفال كلهم الذين تحلقوا حوله في دائرة كبيرة، كما استشهدت الفنانة التشكيلية حليمة الكحلوت التي كانت تتطوع في أنشطة لخدمة الغزاويين عبر جامعة دار الكلمة ومؤسسات أخرى.

ومع البشر الذين استشهدوا بالقصف سواء في الكنيسة أو خارجها، دمّرت إسرائيل اليوم غالبية منازل المسيحيين في حي الرمال في غزة، وهو حي ميسور يتميز بالفلل في المدينة، فيما يقطن المهجّرون من الداخل الفلسطيني المحتل إلى القطاع إثر النكبة حول الكنائس في غزة القديمة، وهؤلاء لم يوفرهم  القتل والقصف الإسرائيلي أيضًا.

وعلى صعيد استهداف المؤسسات المسيحية، وقبل يومين من تدمير جزء من الكنيسة الأرثوذكسية، وهي ثالث أقدم كنيسة في العام حيث يعود بناؤها الأوّل إلى بداية القرن الخامس الميلادي، ارتكبتْ إسرائيل مجزرة المستشفى الأهلي-المعمداني التابع للكنيسة الأسقفيّة في 17 أكتوبر موقعة 500 شهيد جلّهم من النساء والأطفال. وبتاريخ 31 أكتوبر دمرت إسرائيل المركز الثقافي العربي الأرثوذكسي في القطاع الذي افتتح في 17 سبتمبر 2021، ولم يوضع في الخدمة الفعليّة إلا قبل 6 أشهر فقط من العدوان بكلفة بلغت 16 مليون دولار، وفق ما أكده رئيس جامعة دار الكلمة -بيت لحم، القسّ الدكتور متري الراهب، من الكنيسة اللوثرية الأسقفية، للمفكرة القانونية. ويُعتبر المركز من أبرز المؤسسات الثقافية والاجتماعية والرياضية والشبابية والفنية في القطاع. وقد منح أرضه للكنيسة الرئيس الراحل ياسر عرفات لبنائه عليها. ويمتد المركز على مساحة 5500 متر مربع، مليئة بقاعات المسرح والتدريب والأنشطة والرياضة ومختبر الكمبيوتر، وكان يستفيد من خدماته نحو 200 ألف من مختلف فئات وانتماءات أهل القطاع.

(أبونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى