Uncategorized

لقاء مجلس حكماء المسلمين والقيادات الدينية في الكنيسة الكاثوليكية بمملكة البحرين.. والبابا الله هو ينبوع السلام

في إطار زيارته الرسوليّة إلى مملكة البحرين شارك قداسة البابا فرنسيس عصر الجمعة في لقاء مجلس حكماء المسلمين والقيادات الدينية في الكنيسة الكاثوليكية بمملكة البحرين تحت عنوان “لحوار بين الأديان وتحديات القرن الواحد والعشرين”.

وصل الأب الأقدس إلى مسجد قصر الصخير حيث كان باستقباله رئيس مجلس حكماء المسلمين والمستشار محمد عبد السلام الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين؛ وبعد قراءة مقطع من القرآن الكريم ومقطع من سفر التكوين افتتح اللقاء المستشار محمد عبد السلام الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين بكلمة استهلها بالامتنان لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ولفضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا، اللذين أضحى لقاؤُهما، منذ أول مرة، وعلى امتداد اللقاءات التسع التي جمعتهما مصدر إلهام متجدد؛ ليس لقادة الأديان وزعمائها فحسب، بل للملايين من أتباع هذين الدينين السماويين.

وجه البابا خطابا قال فيه إن الله هو ينبوع السَّلام. فليمنحنا أن نكون قنوات سلامه في كلّ مكان! أودّ أمامكم أن أكرّر أنّ إله السّلام لا يقود أبدًا إلى الحرب، ولا يحرّض أبدًا على الكراهية، ولا يؤيّد العنف أبدًا. ونحن، الذين نؤمن به، إنّنا مدعوّون إلى تعزيز السّلام بطرق السّلام، مثل اللقاء والمفاوضات الصّابرة والحوار، الذي هو أكسجين العيش المشترك معًا. ومن بين الأهداف التي تقترحونها، نشر ثقافة السّلام المؤسّس على العدل. أودّ أن أقول لكم إنّ هذا هو الطّريق، بل هو الطّريق الوحيد، بما أنّ السّلام هو “عمل العدل”.

مضى البابا إلى القول: جئت إليكم مؤمنًا بالله وأخًا وحاجَ سلام. جئت إليكم لنسير معًا، بروح فرنسيس الأسيزي. وتساءل الحبر الأعظم بعدها: كيف يتمكّن المؤمنون من مختلف الديانات والثّقافات من العيش معًا، والتّرحيب واحترام بعضهم بعضًا إن بقينا غرباء بعضنا عن بعض؟ لنسترشد بقول الإمام علي: “النّاسُ صِنْفان، إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْن، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْق”، ولنشعر بأنّنا مدعوّون لرعاية كلّ من وضعهم المخطّط الإلهيّ بالقرب منّا في العالم. لنحث أنفسنا على “أن ننسى الماضيّ وندَرِّب أنفسنا بصدق على أن نفهم بعضنا بعضًا، ولننشر ولنعزّز معًا العدالة الاجتماعيّة والقيَم الأخلاقيّة والسّلام والحريّة لجميع الناس”.

بعدها لفت البابا إلى أن كلّ الشّرور في العالم متجذّرة في رفضنا لله وللأخ: في إغفال نظرنا عن خالق الحياة وعدم اعترافنا بأنّنا لم نعد حرّاسًا للإخوة. كما أنّ الشّرور الاجتماعيّة والدوليّة، والاقتصاديّة والشّخصيّة، وكذلك الأزمة البيئيّة المأساويّة التي تميّز هذه الأوقات تأتي في النّهاية من ابتعادنا عن الله وعن الآخر. لذلك، نحن لدينا مهمّة وحيدة وأساسيّة، وهي أن نساعد في إعادة اكتشاف مصادر الحياة المنسيّة هذه، وأن نُعيد البشريّة إلى أن تَستَقي من الحكمة القديمة، وأن نقرّب المؤمنين من جديد من عبادة إله السّماء والنّاس الذين من أجلهم خلَق الله الأرض.

وشدد البابا في هذا السياق على الصّلاة والأخوّة. وقال: هذه هي أسلحتنا المتواضعة والفعّالة. يجب ألّا نسمح بأن تجرّبنا وسائل أخرى، وطرق مختصرة لا تليق بالله العليّ. اسمه السَّلام ويُسيء إليه الذين يؤمنون بأساليب القوّة، ويدعمون العنف، والحرب وتجارة السّلاح، و”تجارة الموت“ التي تحوّل بيتنا المشترك إلى ترسانة كبيرة. وختم قائلا: لنا مسؤوليّة كبيرة أمام الله والناس، وعلينا أن نكون قدوة لِمَا نعظ به، وليس فقط في جماعاتنا وفي بيوتنا بل في العالم الموحّد والمعَولَم.

وقبل مداخلة الأب الأقدس ألقى وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف أشار فيها إلى أن هذا اللقاء يعتبر خطوة إيجابية في مسيرة الحوار بين الأديان والتي أثمرت في زيادة الوعي الجماعي بتحديات الوحدة وزرع الأمل في استحضار الضمير العالمي للاستجابة لهذه التحديات. وإذ لا يسمح الوقت بتسليط الضوء على كل الأحداث المأساوية والتطورات الخطيرة التي تلوح في أفق الإنسان اليوم وتهدده، بغض النظر عن موقعه على الكوكب. أكّد فضيلة الشيخ أن المرء لا يعرف من أين يبدأ بكل الأزمات العالمية، سواء كانت إنسانية أو اقتصادية أو أخلاقية أو متعلقة بالمناخ والبيئة. والأسوأ من ذلك، هو حقيقة أن عالمنا اليوم لم يعد لديه سلطة مرجعية لتوجيهه كلما شوه أو خلط بين الحقيقة والأكاذيب، والخير بالشر.

تابع شيخ الأزهر الشريف مشيرًا إلى أنّه منذ أواخر القرن العشرين، واجهت الإنسانية أزمات لا تعد ولا تحصى، لا سيما الهوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء وتوسعها المستمر، وما يصاحب ذلك من اختلال في التوازن بين الإنسان والطبيعة، مع ظلمه واستبعاده لغالبية الناس. وبالتالي أكّد أنّه ليس من المبالغة القول إن أزمة عالمنا الحديث هي في الأساس أزمة أخلاقية وأزمة إيمانية (الإلحاد)، لأنَّ غالبية المشاكل والقضايا التي تواجه الإنسان اليوم هي العواقب الحتمية لهذه الأزمة الجذرية، التي جرحت الإنسان وطغت على أفكاره وسلوكه. كذلك تابع يقول ليس من المستغرب أن نشهد آثار هذا الانحراف عن الأخلاق، سواء في المجتمعات المنفتحة للغاية، أو كجواب على الدعوات التي تحاول فرض الانحراف عن الأخلاق. ويمكننا قول الشيء نفسه عما يعرف بأزمة البيئة وتغير المناخ. هناك الكثير ليقال عن هذا الوضع المؤلم. ولكن باختصار، هذه الأزمة كارثة سببها تحرر الإنسان من قيود الدين والأخلاق. إنها إحدى آثار “الأنانية” واقتصاد السوق، وكذلك الفلسفة الرأسمالية وخطابها الذي يفضل “تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، حتى لو كان ذلك يعني بيع كل شيء”.

أضاف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف يقول لا أعتقد أن لدينا الوقت الكافي لتفصيل المنظور القرآني للبيئة والأرض ونشر الفساد فيها؛ ولكن إذا قرأنا القرآن أكثر حول هذا الموضوع، فيمكننا أن نجد العديد من الآيات التي تمنعنا بوضوح شديد من القيام بالفساد على الأرض. تظهر هذه الآيات بوضوح أن الإنسان مكلف بواجب إصلاح الأرض وأن العلاقة بين الجنس البشري والمخلوقات الأخرى يجب أن تكون علاقة صداقة وشركة عالمية. كما أنها تحرِّم إحداث الفساد في الأرض، وأنها محاكمة عواقبها الوخيمة على الجميع، وليس فقط لمن تسبب فيها.

وخلص فضيلة الإمام إلى القول إن المبالغ الفلكية اللازمة لمعالجة أزمة المناخ، بينما تتمسك الدول الصناعية الكبرى بالتمويل الأخلاقي والبشري، مخيفة جدًّا. إن واجبنا كعلماء ورجال دين تجاه هذه الظروف الدولية المحبطة هو رفع أصواتنا والصراخ للسلطات وأصحاب الثروة الفاحشة وتذكيرهم بمصيرهم ومصيرنا جميعًا، إذا لم يتحركوا قريبًا. ولكن لا يجب أن يعنينا ما إذا كانوا يستجيبون أو يسترون آذانهم، لأن طريقنا كممثلين عن الأديان الإبراهيمية هو طريق من أمر من فوق السماوات السبع: “إن عليك إلا البلغ” (القرآن، ٤٢: ٤٨).

بعدها كان هناك مداخلة للكاردينال ميجيل أنخيل أيوزو جيكسوت عميد دائرة الحوار بين الأديان استهلّها بالقول إن ضعفنا البشري واعتمادنا المتبادل على بعضنا البعض والذي ظهر جليًّا في حالات النزاع وخلال جائحة فيروس كورونا المستجدَّ هما سببان كافيان للوحدة والالتزام بالعمل معًا من أجل الارتقاء بالإنسانية لذلك دعونا نعزز الوحدة والتضامن وتحديات المستقبل القريب بشجاعة. وأضاف هناك حاجة ملحّة لأن يتّحد المؤمنون من مختلف الأديان لتعزيز نظام اجتماعي مسؤول إيكولوجيًّا قائم على القيم المشتركة حيث إن الأزمة البيئية وحماية البيئة فيما يتعلق بالناس والكوكب والازدهار والسلام والعيش الاجتماعي تُعد أمورًا أساسية لجميع الأديان وترتبط بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا.

تابع الكاردينال أيوزو جيكسوت يقول ترتبط الأزمة البيئية في نهاية المطاف بأزمة القيم والفراغ الديني الذي يعمُّ المجتمع في عصرنا، لذلك فإن الحوار بين الأديان هو الحل الأساسي. ومن ثم فهناك حاجزة لتقديم نماذج بديلة مبنيّة على السلام والقيم الروحية والمسارات الدينية.

أضاف عميد دائرة الحوار بين الأديان مؤكدًا أن القلق إزاء التدهور البيئي هو واقع مشترك بين الأديان ويمكن للأديان أن تحدث التغييرات اللازمة في أنماط حياتنا للتغلّب على تدهور أوضاع الكوكب وقدم في هذا السياق بعض النقاط للتفكير حول التحدي البيئي الماثل للحوار بين الأديان: أولاً النظر لما هو أبعد وتخطّي حدودنا؛ ثانيًا معالجة المشاكل البيئيّة باعتبار أن التضامن العالمي ضروري لتوحيد العائلة البشرية في البحث عن تنمية متكاملة ومستدامة؛ ثالثاً الاهتمام بسلامة الكوكب واستدامته من خلال البرامج التعليمية المشتركة؛ رابعًا استعادة الوعي بالصلة بين البشرية والطبيعة؛ وخامسًا تعزيز الالتزام المشترك مع أتباع الديانات الأخرى وتغيير المواقف وأنماط الحياة من خلال استعاد تلك القيم الدينية التي تخلق وعيًا بيئيًا جديدًا.

وخلص إلى القول يجب أن يحفِّزنا الوعي بإنسانيتنا المشتركة ومصيرنا المشترك والمسؤوليّة التي نتشاركها تجاه الآخرين والعالم على مواصلة تطوير هذا التضامن الضروري بين الأديان من أجل رفاهية العائلة البشرية

(المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى