في مقابلته العامة البابا فرنسيس يتحدّث عن البشارة كخدمة كنسيّة

أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول لقد رأينا في التعليم الأخير أن أول “مجمع” في تاريخ الكنيسة قد عُقد في أورشليم من أجل مسألة تتعلق بالبشارة، أي بإعلان البشرى السارة لغير اليهود. في القرن العشرين، قدم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الكنيسة كشعب الله الذي يحجُّ في الزمن وهو مرسل بطبيعته. هناك مثل جسر بين المجمع الأول والأخير، تحت شعار البشارة، جسر مهندسه هو الروح القدس. وبالتالي نضع أنفسنا اليوم في إصغاء إلى المجمع الفاتيكاني الثاني، لكي نكتشف أن البشارة هي خدمة كنسية على الدوام، وليست أبدًا انفراديّة، أو منعزلة أو فردية. إن البشارة تتمُّ دائمًا في الكنيسة، أي في جماعة وبدون اقتناص لأن الاقتناص ليس بشارة.

تابع البابا فرنسيس يقول في الواقع، ينقُل المبَشِّر دائمًا ما قد تلقاه. والقديس بولس هو أول من كتب ذلك: الإنجيل الذي كان يُعلنه والذي قبلته الجماعات وبقيَت ثابتة عليه هو الإنجيل الذي كان الرسول قد قبله بدوره. إنَّ هذه الديناميكية الكنسية لنقل الرسالة هي مُلزمة وتضمن صحة الإعلان المسيحي. وفي هذا الصدد يكتب القديس بولس إلى أهل غلاطية: “فلَو بَشَّرْناكم نَحنُ أَو بَشَّرَكم مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ بِخِلافِ مما بَشَّرْناكم بِه، فلْيَكُنْ مَحْرومًا!”. لذلك يُشكّل البعد الكنسي للمبشّر معيارًا للتحقق من الغيرة الرسولية. تحقق ضروري، لأن تجربة المضي قدمًا “بشكل انفرادي” هي كامنةٌ على الدوام، لاسيما عندما يصبح المسار صعبًا ونشعر بثقل الالتزام. خطيرة هي أيضًا تجربة اتباع مسارات كنسية زائفة أسهل، واعتماد المنطق الدنيوي للأرقام والاستطلاعات، والاعتماد على قوة أفكارنا، وبرامجنا، وهيكلياتنا، و”العلاقات المهمة”.

والآن، أضاف الأب الأقدس يقول، أيها الإخوة والأخوات نضع أنفسنا بشكل مباشر في مدرسة المجمع الفاتيكاني الثاني، ونعيد قراءة بعض أرقام وثيقة القرار المجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالي، “إلى الأمم”. إنَّ نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني هذه تحتفظ بقيمتها الكاملة حتى في سياقنا المعقد والمتعدد. يدعونا القرار المجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالي أولاً لكي نأخذ بعين الاعتبار محبة الله الآب كينبوع “خلقَنا برضاه عن رحمةٍ وصلاح عظيمين جداً، وزاد على ذلك أن دعانا بلطفه إلى مشاركته في حياته ومجده، وأفاض علينا جودَته الإلهية في غير قصدٍ، ولا يزال يُفيضُها، بحيث يصير أخيراً، وهو خالقُ الجميع، “كلاًّ في الكل”، موفّراً في الوقت نفسه مجدَه وسعادَتنا” (إلى الأمم، عدد ٢). إنَّ هذا المقطع أساسي، لأنه يقول إنَّ محبة الآب موجّهة لكل إنسان. إنها محبة تبلغُ كلَّ رجلٍ وامرأة من خلال رسالة الابن، وسيط الخلاص وفادينا، ومن خلال رسالة الروح القدس، الذي يعمل في كل واحد منا، في المعمدين وفي غير المعمدين.

تابع الحبر الأعظم يقول كذلك، يذكِّر المجمع أنه من واجب الكنيسة أن تواصل رسالة المسيح، الذي ” أُرسِلَ ليبشّر المساكين، لذلك – يتابع القرار المجمعي في نشاط الكنيسة الإرسالي – على الكنيسة أن تسلُكَ، بدافعٍ من روح المسيح، الطريق عينها التي سلكها المسيح نفسُه، أي طريق الفقرِ، والطاعة، والخدمة، وبذل الذات حتى الموت، الذي خرج منه بالقيامة منتصراً” (إلى الأمم، عدد ٥). وإذا بقيت الكنيسة وفيَّةً لهذا “الدرب”، ستكون رسالتها “إبرازاً لقصدِ الله، أي ظُهوراً وتحقيقاً له في العالم وفي تاريخ العالم” (إلى الأمم، عدد ٩). تساعدنا هذه التنويهات الموجزة لكي نفهم أيضًا المعنى الكنسي للغيرة الرسولية لكل تلميذ مُرسَل، لأنه لا يوجد في شعب الله الحاج والمبشر أشخاص فاعلين وأشخاص خاملين ومُستسلمين. كلُّ معمَّدٍ، مهما كانت وظيفته في الكنيسة ومستواه العلمي في الإيمان، هو شخص فاعل في البشارة. بفضل المعمودية التي نلناها والانخراط الناتج عنها في الكنيسة، يشارك كل معمّد في رسالة الكنيسة، وفيها، في رسالة المسيح الملك والكاهن والنبي.

أيها الإخوة والأخوات إن هذه المهمة “هي ثابتة ولا تتغيَّر في كلّ مكان وكلّ وضع، وإن لم تُزاوَل بطريقةٍ واحدة بسبب الأحوال” (إلى الأمم، عدد ٦). لذلك يدعونا هذا الأمر لكي لا نتصلَّب أو نتحجَّر؛ لأن الغيرة الرسولية للمؤمن يتمُّ التعبير عنها أيضًا كبحث خلَّاق عن أساليب جديدة للإعلان والشهادة، وأساليب جديدة لكي نلتقي بالبشرية الجريحة التي أخذها المسيح على عاتقه. باختصار، أساليب جديدة لكي نخدم الإنجيل والبشريّة. البشارة هي خدمة، وإذا قال أحدهم إنّه مُبشِّر ولكن لم يكن لديه ذلك الموقف وقلب الخادم ويعتقد أنّه السيّد فهو ليس مُبشِّرًا.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إن العودة إلى الحب الأساسي للآب ورسالات الابن والروح القدس لا يغلقنا في فسحات من الهدوء الشخصي الثابت. بل على العكس هي تقودنا لكي نعترف بمجانيّة عطية ملء الحياة التي دُعينا إليها، وهي عطية نسبِّح الله من أجلها ونشكره عليها. وتقودنا أيضًا لكي نحيا بشكل كامل وأكثر من أي وقت مضى ما نلناه وأن نشاركه مع الآخرين، بحسِّ مسؤولية ونسير معًا على دروب التاريخ المتعرجة والصعبة، في يقظة واجتهاد في انتظار تحقيقه. لنطلب من الرب هذه النعمة، أن نأخذ بين أيدينا هذه الدعوة المسيحية ونشكر الرب على هذا الكنز الذي أعطانا إياه، وأن نسعى لكي ننقله إلى الآخرين.

(المصدر راديو الفاتيكان)

Exit mobile version