
جاءني هذا التعليق من أحد الأصدقاء الأحباء أشاركك فيه أيها القارئ العزيز: في البلدان العربية، يأتون بتسعة كراسي لعشرة أطفال ويقولون للأطفال بأنّ الرابح هو مَن يحصل على الكرسي، ومَن يبقى بدون كرسي يكون خارج اللعبة، ثمّ يقلّلون عدد الكراسي كلّ مرّة، فيخرج طفل كلّ مرّة حتى يبقى طفلًا واحدًا ويتم إعلانه أنّه الفائز. فيتعلّم الطفل ثقافة “نفسي نفسي، ولكي أنجح علّي أن أزيح غيري”! وفي الروضة الخاصة بأطفال اليابان، يلعبون لعبة الكراسي أيضًا.
ويأتون بتسعة كراسي لعشرة أطفال أيضًا مع فارق بأنّهم يقولون للأطفال بأنّ عددكم أكبر من الكراسي، فإذا أحدكم بقي دون كرسي يخسر الجميع، فيحاول جميع الأطفال احتضان بعضهم البعض لكي يستطيع عشرة أطفال الجلوس على تسعة كراسي، ومن ثمّ يقللون عدد الكراسي تباعًا..
مع بقاء قاعدة أنّهم يجب أن يتأكدوا بأنّ لا يبقى أحدهم دون كرسي وإلا خسروا جميعًا، فيتعلّم الطفل ثقافة “لا نجاح لي دون مساعدة غيري على النجاح”!.
وبالتأكيد، ترون نتائج هذه الثقافة في الشوارع وأماكن إنجاز المعاملات المزدحمة، وفيما يجب أن يكون طابورًا. كذلك ثقافة الفريق أن الجميع معاً يحققون أشياء ممتازة وكثيرة. أما نحن في الشرق، فمازلنا في دائرة ثقافة (الأوحد) أي الشخص الذي يفكر وحده، والجميع يطيعونه. وفي الغالب تقع منه كثير من الأمور.
للأسف، نحن لا نعرف كيف نعمل في فريق واحد.. ولا نقدر روح العمل الجماعي في بلادنا، بينما تجد البلدان المتقدمة أكثر حرصا منا على العمل الجماعي وأكثر رفضا للعمل الفردي، وتجد الشركات تفضل الموظف الذي يستطيع أن يعمل داخل فريق عن الموظف الذي يفضل العمل الفردي، حتي لو كان الأخير صاحب مهارة خاصة!، ونجحت الشركات العالمية التي تدعم فكرة العمل الجماعي، فأثبتت التجارب أن نتائج العمل الجماعي أفضل بكثير من العمل الفردي. أصبح الاتجاه العالمي للأعمال يرجح فكرة فريق العمل. حتي في مجال الرياضة، تجد الفريق صاحب الأداء الجماعي، في أغلب الأحيان، يتفوق على فريق آخر يلعب أفراده بشكل فردي، وإن تفوق على الفريق الأول من ناحية مهارة اللاعبين.
وفي الكنيسة، يتم إسناد بعض الخدمات إلى بعض الأعضاء من إخوة أو أخوات، مثل الكاهن والشمامسة والأكليروس والعلمانيين وغيرهم، ويفضل دائماً أن يتم العمل كفريق واحد والاستعانة بمتخصصين. فليس من الطبيعي أن يفهم الكاهن كل شيء في الهندسة والعلوم والفنون والإدارة. وهنا يأتي الاستعانة بالعلمانيين، فالكنيسة هي جماعة المؤمنين، تعكِسُ صُورَةَ مَجدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مكشوفَةٍ، فتتَحوَّلُ إلى تِلكَ الصّورَةِ ذاتِها، وهيَ تَزدادُ مَجدًا على مَجدٍ، بِفَضلِ الرَّبِّ الّذي هوَ الرُّوحُ. (2 كورنتوس 3: 18). لكن الفرد الواحد لا يمكنه أن يعكس صورة الله وحده لأن صورة الله تعكسها وحدة عضوية تشبه الجسم، وتتكون من العديد من الأفراد الذي قد كرّس بعضهم حياته لبعض ويساعد بعضهم بعضا. إنّ تلك الوحدة العضوية هي الكنيسة المقدسة التي يحركها الروح القدس. وجسد المسيح العجيب (أي بمعنى جماعة المؤمنين) هو صورة الله لعصرنا.