Uncategorized

البطريرك الراعي يترأس قداس عيد البشارة مع الذكرى الثانية عشرة لبدء خدمته البطريركيّة

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، قداس عيد البشارة، الذي يُصادف مع الذكرى الثانية عشرة لبدء خدمته البطريركيّة، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وأنطوان عوكر، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، ومشاركة السفير البابوي المطران باولو بورجيا، ولفيف من الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات، والكهنة، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الانجيل المقدس القى الراعي عظة بعنوان “ها أنا أمة الربّ فليكن لي بحسب قولك” (لو 1: 38) قال فيها: “أمام الدعوة الإلهيّة التي حملها الملاك جبرائيل إلى مريم، لتكون أمّ العليّ القدّوس وهي عذراء، جعلت من نفسها خادمة لمن سيولد منها ولتصميم الله الخلاصيّ، فأجابت: “ها أنا أمة الربّ، فليكن بحسب قولك” (لو 1: 38). هذه الكلمة “نعم” قلتها بدوري عندما سألني مدبّر الكنيسة البطريركيّة رئيس سينودس أساقفة كنيستنا الانتخابي آنذاك، المثلّث الرحمة المطران رولان أبو جودة: “إذا كنت أقبل بانتخابي بطريركًا لأنطاكية، أبًا ورأسًا لكنيستنا المارونيّة”، وقلت “نعم”، وكان ذلك في 15 مارس 2011. ففهت للحال أنّ “الأبوّة والرئاسة” دعوة دائمة إلى الخدمة. واتخذت يومها الشعار لخدمتي: “شركة ومحبّة”. الشركة ببعديها: العاموديّ اتحاد دائم بالله، والأفقيّ وحدة دائمة مع الجميع وبين الجميع. وهذا يقتضي عملًا دؤوبًا لا ينتهي. أمّا المحبّة فهي التي تشدّ أواصر الشركة، كالإسمنت الذي يثبّت حجارة البناء”.

أضاف: “لقد حاولت بمؤآزرتكم، اخواني السادة المطارنة، وما زلت، مع النقص هنا وهناك، مواصلة تعزيز هذه الشركة والمحبّة داخل كنيستنا المارونيّة في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار، وعلى مستوى الكنائس الشقيقة، وبخاصّة على مستوى العائلة اللبنانيّة بتعدّديتها الدينيّة والثقافيّة. وبقيت مؤمنًا بإمكانيّة الوصول إلى عيش “الشركة والمحبّة”، بالاتكال على شفاعة أمّنا مريم العذراء، لأنّ فيها، وبواسطتها تحقّقت “الشركة والمحبّة”: فالآب اصطفاها، والابن تجسّد منها، والروح القدس حلّ عليها وجعلها أمًّا للابن الالهي وللبشر أجمعين. ومن هذا الحدث الروحيّ والتاريخيّ انطلقت “الشركة المحبّة” ببعديها، ومنها كان وهج قداسة الكنيسة، وكانت سعادة الإنسان والشعوب”.

وتابع: “ليس صدفة أن اختار المسلمون والمسيحيون عيد بشارة السيّدة العذراء بمرسوم رسميّ بتاريخ 27 اكتوبر 2010 عيدًا وطنيًّا مشتركًا. فهي عندهم جميعًا “أمّ” بل هي أكرم وأقدس الأمّهات التي تجمع أبناءها وبناتها وتوحّدهم. كتب بالأمس أحد المفكّرين المسلمين اللبنانيّين: “إنّها لنا مسيحيّين ومسلمين رمز اندماجنا معًا وعيشنا الواحد معًا ومصيرنا معًا. ولذا، “نحن مريميّون”. أن نكون مريميّين يعني أن نكون إخوة معًا حقيقيّين في الوطن، وأن نكون أحرارًا غير مستلحقين لأحد من أصنام رجال المذهبيّة والحزبيّة والفئويّة. أن نكون مريميّين يعني أن لا نخاف من أحد وأن لا نخيف أحدًا. ويعني أن نكون مسلمين حقًّا ومسيحيّين حقًّا، وبالتالي أن نصبر على بعضنا البعض، وأن نثق ببعضنا البعض، وأن نستكين إلى وطننا لبنان” (الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، في النهار 24 مارس 2023: “مريم السيّدة، مريم الحرّة، مريم الأمّ)”.

وقال: “يأتي هذا العيد الروحيّ والوطنيّ المشترك مع بداية شهر رمضان المبارك، وبمناسبته وجّه مجمع الحوار بين الأديان في الفاتيكان رسالة تهنئة ودعاء إلى الإخوة المسلمين بعنوان: “مسلمون ومسيحيون: روّاد المحبّة والصداقة”. في هذه الرسالة دعوة للمحافظة على العيش المشترك السلميّ والودّي بوجه العديد من التحديات والتهديدات، ونقرأ: ” كلّ شيء يبدأ بموقفنا تجاه بعضنا البعض، لا سيما عندما تكون هناك اختلافات بيننا في الدين أو العِرق أو الثقافة أو اللغة أو السياسة. يمكن اعتبار الاختلافات بمثابة تهديد، ولكن لكل واحد الحق في هويته الخاصة بميزاتها المتنوعة، دون تجاهل المشتركات أو نسيانها: “فكل الشعوب جماعة واحدة ولها أصل واحد لأن الله هو الذي أسكن الجنس البشري بأسره على وجه الأرض كلها؛ ولهم غاية أخيرة واحدة وهي الله الذي يشمل الجميع بعنايته وشهادة جودته وتصاميم خلاصه الى أن يتّحد المختارون في المدينة المقدسة التي سينيرها مجد الله وستمشي الامم هناك في نوره” (في عصرنا Nostra Aetate بيان حول “علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية”٬ 28 أكتوبر 1965، رقم 1)”. إنّ نقيض السلوكيات السلبية هو الاحترام والطيبة والإحسان والصداقة والعناية المتبادَلة للجميع والمسامحة والتعاون من أجل الخير العام ومساعدة كل من هُم في أيٍ من أنواع الاحتياج، والاهتمام بالبيئة من أجل الحفاظ على “بيتنا المشترك” مكانًا آمِنًا وبهيجا يُمْكننا فيه العيش معًا في سلام وفرح”.

أضاف: “وإذ نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، فإنّا نرفعها ذبيحة شكر لله على الأحد عشر سنة التي انقضت في خدمتي البطريركية، وعلى كلّ النعم التي أفاضها الله علينا وعلى أبرشيّاتنا ورهبانيّاتنا، وعلى إكليروسنا وشعبنا في النطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار. ونقدّمها ذبيحة رحمة لنفوس الذين سبقونا إلى بيت الآب، وبخاصّة المثلّث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس، والمثلّثي الرحمة إخواننا المطارنة. كما نصلّي من أجل إخواننا السادة المطارنة المرضى والمسنّين والغائبين والبعيدين”.

تابع: “من نعم الله علينا وعلى كنيستنا وسائر الكنائس، أنّه يخاطبنا ليس فقط بابنه يسوع، وبكلام الحياة وبشتّى الطرق، ولكن أيضًا بواسطة القدّيسين: مار شربل ومار نعمةالله والقديسة رفقا والطوباويين الأخ إسطفان وأبونا يعقوب حدّاد الكبّوشي، وليونار ملكي، وتوما صالح الكبوشيّين، وفي هذه السنة موافقة قداسة البابا فرنسيس على إعلان الطوباويّين الإخوة المسابكيّين الثلاثة فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل الدمشقيّين قدّيسين في الكنيسة الجامعة. ويسعدني أن تكون رسالتي الراعويّة العاشرة التي أعلنها اليوم عن “الطوباويّين الإخوة المسابكيّين الشهداء” ليكونوا لنا مثالاً في شهادة الايمان وبخاصة بالنسبة للعلمانيين الذين يعيشون على مثال الاخوة المسابكيين حياتهم في العالم على اساس من الايمان والروحانية كما فعلوا”.

وقال: “هؤلاء القديسون والطوباويّون عاشوا ملء الشركة، اتحادا عميقًا مع الله ووحدةً بطوليّة مع جميع الناس، وعاشوها بقوّة المحبّة التي في قلوبهم. حالة شعبنا في لبنان اليوم مأساويًّة: اقتصاديا وماليًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، مع الحفاظ عند معظمهم على وديعة الإيمان. هذه المأساة تتأتّى، كما الكلّ يعلم ويقرّ، من سوء الإداء السياسيّ والفساد وعبادة المصالح الخاصّة والفئويّة، والاستهتار بالشعب المقهور والمظلوم والمتروك على قارعة الطريق مثل “نفايات”، كما يقول قداسة البابا فرنسيس”.

أضاف: “هنا ترتسم حقول عملنا ورسالتنا: إذكاء ديناميّة العمل الروحيّ والراعويّ والرسوليّ؛ المزيد من التضامن في مساعدة شعبنا ماديًّا ومعنويًّا وحياتيًّا؛ والسعي بشتّى الطرق لتعزيز الوحدة بين متعاطي السياسة والسلطات المدنيّة، ولحضّهم على القيام بمسؤوليّاتهم بعد الإقرار بأخطائهم وبفشلهم وبمسؤوليّتهم المباشرة عن إفقار المواطنين وإذلالهم وتهجيرهم وموتهم في بيوتهم لجوعهم، ولعدم إمكانيّة شراء دواء ودخول مستشفى، وعن انتحارهم يأسًا لعجزهم عن تأمين المأكل والمشرب لأولادهم. فينتظر من هؤلاء المسؤولين الإقرار أمام الله والناس، بمسؤوليّتهم عن خراب الدولة والجمهوريّة بإحجامهم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبتعطيلهم انتظام المؤسّسات الدستوريّة”.

وختم البطريرك الراعي: “في هذا السياق، إيمانًا منّا بأنّ الرجوع إلى الله وبالإصغاء لصوته، والتفاعل مع نعمته، يشكّل مفصلًا أساسيًّا في حياة الإنسان، فإنّا سنلتقي بسرور، الأربعاء الخامس من نيسان المقبل، مع السادة النوّاب المسيحيّين في خلوة روحيّة في دار بيت عنيا قرب مزار سيّدة لبنان: نستمع فيها معًا إلى كلام الله، ونتأمّل فيه بالصمت والصلاة والسجود أمام القربان المقدّس والصوم والوقفة مع الذات والتوبة. في ذلك اليوم الذي نتهيّأ فيه لعيش النعمة الفصحيّة بالعبور إلى حياة جديدة، تنبعث من موت المسيح وقيامته، فإنّا سنصلّي من أجل خلاص لبنان من أزمته السياسيّة ومعاناته الماليّة والاقتصادية والاجتماعية. ونحن راسخون في المسيح رجائنا، ونرفع المجد والتسبيح للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

(المصدر أبونا)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى