البابا فرنسيس يستقبل جماعة إكليريكية أبرشية نابولي
استقبل قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان جماعة إكليريكية أبرشية نابولي وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أشكركم على حضوركم إلى هنا هذا الصباح وعلى رغبتكم في هذا اللقاء بمناسبة الذكرى التسعين لافتتاح إكليريكيّتكم. أتوجه إليكم بمودة أيها الإكليريكيين. أشعر أنه يجب عليَّ أن أعرب عن امتناني لكم لأنكم استجبتم لدعوة الرب ولاستعدادكم لخدمة كنيسته؛ وأنّه علي أن أشجعكم على تنمية جمال الأمانة كل يوم، بحماس والتزام، وأن تسلّموا حياتكم لعمل الروح القدس المتواصل، الذي يساعدكم على التشبّه بالمسيح. لنتذكر هذا على الدوام: إنَّ التنشئة لا تنتهي أبدًا، وتستمر مدى الحياة، وإذا انقطعَت لا تبقى حيث كنت، بل تعود إلى الوراء. بالتفكير في هذا العمل الداخلي المستمر الذي هو التنشئة الكهنوتية وفي ذكرى إكليريكيّتكم، تتبادر إلى ذهني صورة موقع البناء.
تابع البابا فرنسيس يقول الكنيسة هي أولاً موقع بناء مفتوح على الدوام. أي أنها تبقى في مسيرة دائمة، منفتحة على حداثة الروح، وتتغلّب على تجربة الحفاظ على نفسها ومصالحها الخاصة. إنَّ العمل الرئيسي في “موقع بناء الكنيسة” هو السير برفقة المصلوب القائم من بين الأموات، وحمل جمال إنجيله إلى البشر. هذا هو الشيء الأساسي. هذا ما تعلّمنا إياه المسيرة السينودسيّة، وهذا ما يطلبه منا الإصغاء إلى الروح القدس وإلى أناس عصرنا، بدون مساومة؛ ولكن هذا هو أيضًا ما يُطلب منكم: أن تكونوا خدامًا يعرفون كيف يتبنون أسلوب تمييز رعوي في كل حالة، ويعرفون أننا جميعًا، كهنة وعلمانيين، نسير نحو الملء ونحن عمال في موقع البناء. لا يمكننا أن نقدم إجابات متجانسة ومعدة مسبقًا لواقع اليوم المعقد، ولكن علينا أن نستثمر طاقاتنا في إعلان الجوهري، الذي هو رحمة الله، وأن نظهرها من خلال القرب والأبوة والوداعة ونُحسِّن فن التمييز.
أضاف الأب الأقدس يقول لهذا السبب، فإن مسيرة التنشئة إلى الكهنوت هي عبارة عن موقع بناء. لا يجب علينا أن نرتكب خطأ الشعور بأننا وصلنا، ونعتبر أنفسنا مستعدين لمواجهة التحديات. التنشئة الكهنوتية هي موقع بناء يُدعى فيه كل واحد منكم إلى الالتزام في الحق، لكي يسمح لله أن يبني عمله على مر السنين. لذلك، لا تخافوا إذن من أن تسمحوا للرب أن يعمل في حياتكم؛ وكما هو الحال في موقع البناء، سيأتي الروح أولاً ليهدم تلك الجوانب، وتلك المعتقدات، وهذا الأسلوب، وحتى تلك الأفكار غير المتسقة حول الإيمان والكهنوت التي تمنعكم من أن تنموا بحسب الإنجيل؛ ثم إنَّ الروح عينه، بعد أن يطهركم من الأكاذيب الداخلية، سيعطيكم قلبًا جديدًا، وسيبني حياتكم وفقًا لأسلوب يسوع، وسيجعلكم تصبحون خلائق جديدة وتلاميذًا مرسلين، سيجعل حماسكم ينضج من خلال الصليب، كما حدث مع الرسل. لكن لا تخافوا من هذا: قد يكون هذا عملاً متعبًا بالتأكيد، ولكن إذا بقيتم مطيعين وصادقين، وجاهزين لعمل الروح القدس بدون أن تتصلبوا أو تدافعوا عن أنفسكم، فسوف تكتشفون حنان الرب في هشاشتكم وفي فرح الخدمة. في موقع البناء هذا الذي هو تنشئتكم، احفروا بعمق، “افعلوا الحق” في داخلكم بصدق، وعزّزوا الحياة الداخلية، وتأمّلوا في الكلمة، وتعمَّقوا في دراسة أسئلة زمننا والمسائل اللاهوتية والرعوية. واسمحوا لي أن أوصيكم بشيء واحد: اعملوا على النضج العاطفي والبشري، الذي بدونه لا يمكنكم أن تذهبوا إلى أي مكان!
تابع الحبر الأعظم يقول وأخيرا، إن هيكلية الإكليريكية نفسها تشبه موقع بناء كبير. ومن الواضح أنني لا أشير إلى قطاع البناء. فيما يتعلق بالتنشئة الكهنوتيّة، هناك عملية جارية تتضمن أسئلة جديدة ومكتسبات جديدة: إنَّ مسارات التنشئة تمر بتحولات عديدة، وتصغي إلى التحديات التي تنتظر الخدمة الكهنوتية وتتطلب التزامًا وشغفًا وإبداعًا سليمًا من الجميع. فيتمُّ اختبار خبرات رعوية وإرسالية جديدة بهدف تعزيز الاندماج التدريجي في الحياة الكهنوتيّة المستقبلية؛ وتُفترض أوقات انقطاع في المسيرة من أجل تعزيز النضج الفردي. من الجميل أن نقبل بهذه الحداثات ونقيّمها، ونعيشها كفرص للنعمة والخدمة، ونرى فيها حضور الله.
أضاف الأب الأقدس يقول لقد بدأنا للتو مسيرة الصوم التي، كما قلت، هي “زمن لاتخاذ خيارات صغيرة وكبيرة بعكس التيار، نعيد فيه التفكير في أنماط الحياة”. لتتبع جماعتكم أيضًا درب الارتداد والتجديد هذا. كيف؟ أن تسمحوا بأن تمتلككم بدهشة متجددة محبة الله، أساس الدعوة التي نقبلها ونكتشفها بشكل خاص في العبادة والاتصال بالكلمة؛ ومن خلال إعادة اكتشاف طعم الرصانة بفرح وتجنب الهدر؛ وتعلّم أسلوب حياة يساعدكم لكي تكونوا كهنة قادرين على بذل ذاتكم في سبيل الآخرين وعلى الاهتمام بالفقراء؛ ولكي لا تسمحوا بأن تخدعكم عبادة الصورة والمظهر، بل تهتمّوا بحياتكم الداخلية؛ وتعتنوا بالعدالة والخليقة، قضايا آنيّة ولاذعة في أرضكم، تنتظر من الكنيسة بهذا المعنى كلمات شجاعة وعلامات نبوية؛ وتعيشوا في سلام ووئام، وتتغلّبوا على الانقسامات وتتعلموا أن تعيشوا في الأخوَّة بتواضع. والأخوَّة، ولاسيما اليوم، هي إحدى أعظم الشهادات التي يمكننا أن نقدمها للعالم.
وختم البابا فرنسيس ليترافق “العمل الجاري” في موقع البناء الخاص بكم بشفاعة القديسين: شفيعكم القديس جينارو، الذي لا يزال حضوره ودمه يسقيان الأراضي التي تسكنونها، والقديس فينشنزو رومانو، كاهن الرعية الذي تنشَّأ في إكليريكيتكم، نموذج الغيرة الرسولية والروح الإرسالية، والطوباوي ماريانو أرشيرو، مرشده الروحي، الذي نحيي اليوم ذكراه الليتورجية. أتمنى لكم كل الخير في مسيرتكم وأنا أرافقكم بالصلاة. وأنتم أيضاً، من فضلكم لا تنسوا أن تصلوا من أجلي.
(راديو الفاتيكان)