Uncategorized

البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي مع الكرادلة الجدد

ترأس قداسة البابا فرنسيس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان القداس الإلهي مع الكرادلة الجدد الذين تمَّ تعيينهم خلال الكونسيستوار العادي العام في السابع والعشرين من أغسطس الجاري وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها إنَّ قراءات هذا الاحتفال – الخاصة بالصيغة “من أجل الكنيسة” – تقدّم لنا دهشة مزدوجة: دهشة بولس إزاء مخطط الله للخلاص ودهشة التلاميذ، ومن بينهم متى نفسه، في لقائهم مع يسوع القائم من بين الأموات، الذي يرسلهم في رسالة. لننتقل إلى هاتين المنطقتين، حيث تهب بقوّة ريح الروح القدس، فنتمكّن هكذا من أن ننطلق مجدّدًا من هذا الاحتفال، ومن هذا اللقاء بين الكرادلة، أكثر قدرة على “إعلان عظائم الرب لجميع الشعوب”.

تابع البابا فرنسيس يقول إن النشيد الذي يفتتح الرسالة إلى أهل أفسس ينبع من التأمل في مخطّط الله الخلاصي في التاريخ. وبينما نقف مفتونين أمام الكون الذي يحيط بنا، تسودنا الدهشة بالنظر إلى تاريخ الخلاص. وإذا كان كل شيء في الكون يتحرك أو يقف بحسب قوة الجاذبية غير المحسوسة، ففي مخطط الله عبر الزمن، يجد كل شيء أصله ووجوده وغايته وهدفه في المسيح. في نشيد القديس بولس، هذه العبارة – “في المسيح” أو “فيه” – هي حجر الزاوية الذي يعضد جميع مراحل تاريخ الخلاص: في المسيح تباركنا قبل الخليقة؛ فيه دُعينا؛ فيه افتُدينا؛ فيه تعود كل خليقة إلى الوحدة، وجميعنا، قريبين وبعيدين، أوَّلين وأخيرين، قُدِّرَ لنا، بفضل عمل الروح القدس، أن نكون في تسبيح مجد الله. إزاء هذا المخطط يليقُ بنا – كما تقول الليتورجيا – “التسبيح” والبركة والعبادة والامتنان الذي يعترف بعمل الله. تسبيح يعيش من الدهشة، ومحفوظ من خطر السقوط في العادة طالما أنه يستقي من العجب، وطالما أنّه يتغذّى من هذا الموقف الأساسي للقلب والروح: الدهشة. هذا هو إذًا الجو الذي نتنفسّه بدخولنا في أرض نشيد القديس بولس.

أضاف الأب الأقدس يقول إذا دخلنا بعد ذلك في رواية الإنجيل القصيرة وإنما العميقة، وإذا استجبنا مع التلاميذ لنداء الرب وذهبنا إلى الجليل، إلى الجبل الذي أشار إليه، فسنختبر دهشة جديدة. هذه المرة، لن يسحرنا مخطط الخلاص نفسه، وإنما واقع – وهو مُدهش أكثر – أن الله يشركنا في مخططه: إنها حقيقة رسالة الرسل مع المسيح القائم من بين الأموات. في الواقع، لا يمكننا أن نتخيل في أي حالة سمع “التَّلاميذُ الأَحَدَ عَشَر” كلمات الرب هذه: “اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به”؛ ومِن ثمَّ الوعد الأخير الذي يبعث الرجاء والعزاء: “وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم”. إنَّ كلمات القائم من بين الأموات هذه لا تزال تملك القوة لكي تجعل قلوبنا تهتز، بعد ألفي عام. ولا يتوقّف أبدًا عن إدهاشنا ذلك القرار الإلهي الذي لا يُسبر غوره بحمل البشارة إلى العالم إنطلاقًا من تلك المجموعة البائسة من التلاميذ، الذين – كما يشير الإنجيلي – كانوا لا يزالون مُرتابين. ولكن إذا نظرنا جيِّدًا، لا تختلف أبدًا الدهشة التي تعترينا إذا نظرنا إلى أنفسنا نحن المجتمعين اليوم هنا، والذين كرّر لهم الرب الكلمات عينها والإرسال عينه!

أيها الإخوة هذه الدهشة هي سبيل للخلاص! ليحفظها لنا الله حيّة على الدوام، لأنها تحررنا من تجربة أن نشعر بأننا جديرون، ومن أن نغذِّي الأمان الزائف الذي أصبح اليوم في الواقع مختلفًا، ولم يعد كما كان في البداية، الكنيسة اليوم هي عظيمة، وثابتة، ونحن قد وُضعنا في أعلى مراتب هرميّتِها… نعم، هناك بعض الحقيقة في هذا، ولكن هناك أيضًا الكثير من الخداع، الذي يحاول أبو الكذب من خلاله أن يُدخل روح العالم في أتباع المسيح ويجعلهم حميدين.

في الحقيقة، تابع البابا فرنسيس يقول، إن كلمة الله اليوم توقظ فينا دهشة أن نكون في الكنيسة، وأن نكون كنيسة! وهذا ما يجعل جماعة المؤمنين جذابة، أولاً لأنفسهم ومن ثمَّ للجميع: السر المزدوج المتمثل في أن نتبارك في المسيح وأن نذهب مع المسيح إلى العالم. وهذه الدهشة لا تنقص فينا مع مرور السنين، ولا تتضاءل أبدًا مع نمو مسؤولياتنا في الكنيسة. الحمد لله لا؛ بل هي تتقوّى وتتعمَّق؛ وأنا متأكد من أن هذا هو الحال أيضًا بالنسبة لكم، أيها الإخوة الأعزاء الذين ستصبحون بعد قليل جزءًا من مجمع الكرادلة. ويسعدنا واقع أن هذا الشعور بالامتنان يوحدنا جميعًا نحن المعمَّدين. علينا أن نكون شاكرين جدًا للبابا القديس بولس السادس، الذي عرف كيف ينقل إلينا هذه المحبة للكنيسة، محبّة هي قبل كل شيء امتنان ودهشة ممتنة لسرها ولعطيّة أن نكون فيها، وليس فقط بأن نشارك فيها وإنما بأن نكون مشاركين في مسؤوليّتها أيضًا. في مقدمة الرسالة العامة “Ecclesiam Suam” – تلك التي تشكّل برنامج عمل نوعًا ما والتي كُتبت أثناء المجمع الفاتيكاني الثاني – كانت الفكرة الأولى التي تُحرّك البابا – وأقتبس – “أن هذه هي الساعة التي يجب فيها على الكنيسة أن تعمق وعيها بنفسها، […] أصلها، ورسالتها”؛ ويشير بشكل خاص إلى الرسالة إلى أهل أفسس، إلى “السر الذي ظل مكتوما طوال الدهور في الله خالق جميع الأشياء… لكي يظهر… عن يدِ الكنيسة”.

وهذا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، خلص البابا فرنسيس إلى القول، هو خادم الكنيسة: شخص يعرف كيف يندهش أمام مخطط الله وبهذا الروح يحب الكنيسة بشغف، وهو مستعد لخدمة رسالته أينما وكيف يرغب الروح القدس. هكذا كان القديس بولس الرسول – ونرى ذلك في رسائله -: كان الدفع الحماس الرسولي والاهتمام بالجماعات فيه مصحوبًا على الدوام لا بل تسبقه البركة المملوءة بإعجاب ممتن: “تبارك الله…”. ليكن الأمر كذلك بالنسبة لنا أيضًا! ليكُن كذلك لكل واحد منكم، أيها الإخوة الكرادلة الأعزاء! لتَنَل لنا هذه النعمة شفاعة العذراء مريم أم الكنيسة.

(المصدر راديو الفاتيكان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى