
من هو الكاميرلينجو المكلّف بإدارة الفترة الانتقالية في الفاتيكان؟ و كيف يتم انتخاب البابا الجديد في الكنيسة الكاثوليكيّة؟
أعلن الكاردينال كيفن فاريل، “كاميرلينجو الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة”، رسميًّا، وفاة البابا فرنسيس، صباح الاثنين، مما يمثّل بداية فترة انتقاليّة في الكنيسة. وتوفي البابا عن عمر ناهز 88 عامًا بعد سلسلة من المضاعفات الصحيّة، بما في ذلك الالتهاب الرئوي وفشل الجهاز التنفسي.
مهام « كاميرلينجو»
« كاميرلينجو» هو المسؤول الفاتيكاني المكلف بالإشراف على الأعمال اليوميّة الاعتياديّة خلال فترة شغور الكرسي الرسولي (Sede Vacante)، أو “الكرسي الشاغر”، وهي الفترة الواقعة بين وفاة البابا وانتخاب خليفة له، ولكنه مقيّد من اتخاذ القرارات العقائدية أو تلك التي تكون محصورة للحبر الأعظم.
وتأتي كلمة «كاميرلينجو» من كلمة «كاميراريوس دوميني بابا»، وهو تعبير يترجَم إلى «خادم البابا». وتشمل مسؤولياته إدارة الحقوق الدنيويّة للكرسي الرسولي، والإشراف على الإجراءات التقليدية المتبعة بعد الإعلان الرسميّ عن وفاة البابا.
يتولى الكاردينال الكاميرلينجو التحقق رسميًّا من وفاة البابا والإعلان عنها. وجاء تأكيده لوفاة البابا بإجراءات صارت بسيطة هذه الأيام تتطلب حضور طبيب وشهادة وفاة، وذلك مقارنة بما كان يجري حتى وقت ما من القرن العشرين بالنقر بمطرقة فضية على جبهة البابا ثلاث مرات.
ويُشرف الكاميرلينجو على إغلاق مسكن البابا وختمه بالشمع الأحمر. وفي الماضي، كان هذا المسكن في شقق القصر الرسولي، لكن البابا فرنسيس أراد أن يسكن في جناح صغير بدار ضيافة الفاتيكان المعروفة باسم “بيت القديسة مارتا”.
وقرار نقل جثمان البابا إلى كاتدرائية القديس بطرس ليلقي الجمهور النظرة الأخيرة عليه في أيدي الكاميرلينجو وثلاثة مساعدين يتم اختيارهم من بين كرادلة تقل أعمارهم عن 80 عامًا معروفين بالكرادلة الناخبين. كما توكل إليهم مهمّة التأكد من كسر الخاتم الخاص بالبابا الراحل (يُطلق عليه اسم “خاتم الصياد”) وختمه من الرصاص حتّى لا يتمكن أي شخص آخر من استخدامه. ولا تخضع الجثة للتشريح.
ولا يمكن للكاميرلينجو والكرادلة الآخرين من اتخاذ قرارات رئيسيّة تؤثر على الكنيسة أو تغيير تعاليمها. ويقدّم رؤساء معظم أقسام الفاتيكان استقالاتهم إلى أن يؤكد البابا الجديد استمرارهم في مناصبهم أو يعين بدلاء. هذا وتستمر طقوس الحداد 9 أيام، ويحدّد الكرادلة موعد الجنازة والدفن. وينص الدستور الرسولي على ضرورة البدء في ذلك بين اليومين الرابع والسادس من الوفاة.
كيف يتم انتخاب البابا الجديد في الكنيسة الكاثوليكيّة؟
يقوم بانتخاب البابا 120 كاردينالاً (من هم دون سن الـ80). حالما يتم استدعاؤهم، عليهم أن يتركوا جميع أعمالهم ويتوجّهوا إلى روما. يسكنون في روما في نزل القديسة مرتا، وهو نزل حديث أمر البابا يوحنا بولس الثاني ببنائه بين عامي 1993 و1996.
فراغ الكرسي الرسولي
المدة المحدّدة بين يوم وفاة البابا أو استقالته وانتخاب خليفته هي 15 يومًا، يمكن أن تمتد إلى 20 يومًا، لا أكثر. وفي هذه الأثناء يتوقف عمل الكرسي الرسولي حتى انتخاب البابا الجديد. وعندما يُنتخب البابا الجديد، أمامه 3 أشهر لتثبيت الكرادلة في مناصبهم الإدارية إن أراد.
يتعهّد الكرادلة بتصريف أمور الكنيسة الجارية والطارئة. يتعهّد بتصريف الأمور غير المهمة مجموعة من أربع كرادلة منهم الكاردينال الـcamerlingue (رئيس البلاط). والكرادلة الثلاثة الباقون يُنتخبون بالقرعة ويتغيّرون كل ثلاثة أيام. أما الأمور المهمّة، فيبحثها مجمع الكرادلة الذي يجتمع برئاسة عميد الكرادلة الذي يعرض على الكرادلة الأمور التي ينبغي بحثها ويأخذ آراءهم عن طريق التصويت. وفي هذه الاجتماعات يُقسم الكرادلة اليمين للمحافظة على القوانين الواردة في الرسالة البابوية ( Universis dominici gregisعام 1996) والمتضمنة الترتيبات التي يجب مراعاتها في اختيار البابا.
أهم هذه الترتيبات هو المحافظة المطلقة على سرّية ما يدور أثناء عملية انتخاب البابا، بما في ذلك الامتناع عن استعمال الهاتف (إلاّ في حالة الضرورة القصوى) والبريد الإلكتروني وقراءة الصحف وسماع الراديو ومشاهدة التلفزيون. يحيط بالكرادلة أشخاصٌ يقومون بخدمتهم، معرفون بالحصانة والجدية، ويمُنع الموظفون من الكلام مع الكرادلة.
عملية انتخاب البابا Conclave
ينتقل الكرادلة بالباصات من نزل القديسة مرتا إلى الكنيسة السيستينية. وفي صباح اليوم الأول، يجتمعون في كنيسة القديس بطرس حيث يقيمون قدّاسًا من أجل انتخاب البابا، وبعد الظهر، يتوجهون إلى كنيسة السيستين مع نشيد “هيا أروح الخالق”. ثم يقرأ عميد الكرادلة نص اليمين بصوت عالٍ، ويعيد ذلك كلُّ كادرينال بمفرده، واضعًا يده على الانجيل.
ثم يوزع رؤساء التشريفات الليتورجية على الكرادلة ورقتين أو ثلاثة للتصويت، وهي أوراق مربّعة الشّكل ومكتوب فيها “أصوّت لمهمّة البابا … (الاسم)” ثم يتلو رجل دين على الكرادلة تأملاً بسيطًا حول خطورة الخطوة التي سيقومون بها، وبعد ذلك يُترك الكرادلة وحدهم في الكنيسة.
أول عمل يقوم به الكرادلة هو انتخاب ثلاثة أشخاص (عن طريق السحب) لفرز الأصوات، وثلاثة موفدين للذهاب لأخذ أصوات الكرادلة المرضى (إن وجدوا) وثلاثة مراجعين ليُعيدوا عمل فرز الأصوات. يقف الثلاثة الموكلون بفرز الأصوات بقرب الهيكل، بينما يكتب كل كاردينال بخط يده الاسم الذي يختاره، مع مراعاة عدم التعرّف على الشخص من خلال الخط. ثم يطوي الورقة مرتين ويتجه نحو الهيكل ويده مرفوعة. وهناك يتلو صيغة قسم مختصرة ويضع الورقة في وعاء بواسطة صينية صغيرة. ثم ينحني أمام الهيكل ويعود إلى مكانه.
وبعد أن يكون جميع الكرادلة قد أدلوا بصوتهم، بما في ذلك الكرادلة المرضى، يقوم أحد الأشخاص الثلاثة الموكلين بالفرز بتحريك الأوراق أكثر من مرة داخل الوعاء كي يخلطها، بينما يبدأ آخر بعدّها، بحيث يأخذ كلّ رقة على حدة ويُظهرها للجميع ثم يضعها في إناء معدّ لذلك. ثم يجلس الأشخاص الموكلون بالفرز أمام طاولة موضوعة أمام الهيكل، ويمرّرون الأوراق من واحد لآخر، ويقوم الثالث بقراءة الأسماء بصوت عالٍ، وبتسجيل الأصوات. وفي نهاية الفرز، تقوم اللجنة بعدّ الأصوات، بينما تقوم لجنة “المراجعين” بالتأكّد من صحة العملية.
عملية الانتخاب
كي يصبح أحد الكرادلة بابا، يجب أن يحصل على ثلثي الأصوات، بالإضافة إلى صوت إن كان عدد الكرادلة المقترعين لا يقبل القسمة على ثلاثة. يستمر التصويت بوتيرة جلستين صباحًا وجلستين مساءً، إلى حين الوصول إلى عدد الأصوات المطلوب. وفي نهاية كل جلستين، تقوم لجنة الفرز بحرق الأوراق أمام الجميع، في مدفأة موضوعة في الكنيسة، وبحرق أي ملاحظات كتبها الكرادلة أثناء الجلسة. وإن لم يتم انتخاب البابا، توضع مع الأوراق مادة كيماوية تُخرج دخانًا أسود، ليفهم مَن هم في الخارج أن الانتخاب لم يتم بعد.
وإن مرّت ثلاثة أيام تصويت (أي بعد 10 جلسات) دون أن يصل الكرادلة إلى نتيجة، يمضون يومًا كاملاً دون توصيت، يصلّون فيه بصمت ويتشاورون ويستمعون من أحدهم إلى عظة صغيرة. ثم يعودون إلى التصويت لسبع جلسات، ثم يتوقفون يومًا كاملاً ثم يعودون وهكذا دواليك.
تم انتخاب بابوات القرن العشرين بين يوم وأربعة أيام. لكن الترتيبات تحدّد ما يجب فعله في حال لم يتم الانتخاب في هذه الفترة. فبعد 12 يومًا، و30 جلسة تصويت دون نتيجة، تتغير طريقة العمل. يختار الكرادلة بابا بنسبة 50 + 1 من الأصوات، أو يختارون بين الشخصين اللّذين نالا أكثر الأصوات في آخر جولة.
لدينا بابا Habemus papam
عندما يتم انتخاب البابا، يُستدعي سكرتير مجلس الكرادلة ومدير التشريفات الليتورجية إلى الكنيسة السيستينية. ويطلب عميد الكرادلة بحضورهما من المنتخب إن كان يقبل المهمة وما الاسم الذي يختاره لنفسه. وبعد أن يعطي المنتخب جوابه، تُحرق الأوراق وتضاف إليها مادة كيماوية تصدر دخانًا أبيض (وتقرع أجراس روما)، بينما يذهب البابا المنتخب ليرتدي اللباس الجديد (مع العلم أن لباسًا أبيضًا من ثلاثة مقاييس مختلفة يكون جاهزًا من قبل في سكرستيا الكنيسة السيستينية).
وبينما يتجمع المؤمنون في ساحة القديس بطرس، يتقدّم الكرادلة واحدًا بعد الآخر لتقديم الطاعة للبابا الجديد. عندئد، يتقدم عميد الكرادلة – الشمامسة إلى الشرفة الرئيسية لبازيليكا الفاتيكان، ومن هناك يعلن باللغة اللاتينية اسم البابا الجديد “لدينا بابا هو السيد الكاردينال… واتخذ لنفسه اسم… Habemus papam domunum cardinalem … qui sibi nomen imposuit….. ثم يظهر البابا الجديد على الشرفة ويعطي بركته الأولى للمدينة وللعالم Urbi et Orbi. (راديو الفاتيكان)