البابا يدعو للتحرّر من معايير العالم الذي لا يعرف حكمة الانتظار

خلال الاحتفال بالقداس، الأحد 9 نوفمبر، بمناسبة تدشين بازيليك القديس يوحنا في اللاتران، وبحضور نحو 2700 شخص، استحضر البابا التاريخ المهم لكاتدرائية روما، التي بُنيت بأمر من الإمبراطور الروماني قسطنطين بعد أن منح المسيحيين حرية العبادة عام 313، ثم كرّسها البابا سلفستر الأول. ومع ذلك، شدّد البابا لاون على أنّ هذه البازيليك، “أمّ جميع الكنائس”، “هي أكثر من مجرّد معلم أثري أو ذكرى تاريخيّة”، بل هي “علامة الكنيسة الحيّة، المبنيّة من حجارة مختارة وثمينة في المسيح يسوع، حجر الزاوية”. وتذكّرنا بأنّنا نحن أيضًا “حجارة حيّة نبني على هذه الأرض هيكلًا روحيًّا”. موضحًا أنّ “الجماعة الكنسيّة، أي الكنيسة، جماعة المؤمنين، تشهد في بازيليك اللاتران على بنيتها الخارجيّة الأكثر رسوخًا ووضوحًا”، مقتبسًا من القديس بولس السادس.

وقال البابا: “لذلك، أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنعمل بجدّ في خدمة ملكوت الله، ولنحذر من التسرّع والسطحيّة: لنحفر بعمق، متحرّرين من معايير العالم الذي يريد مرارًا نتائج فورية، لأنّه لا يعرف حكمة الانتظار”.

شارك في الاحتفال بالقداس الإلهي على المذبح مع الحبر الأعظم النائب العام لأسقف أبرشية روما ورئيس كهنة بازيليك اللاتران، ونائب رئيس أبرشية روما، وحوالي 160 كاهنًا و10 أساقفًا في الاحتفال بالقداس.

لكي نبني علينا أن نتوجه نحو المسيح

بدأ البابا تأمّله بالحديث عن الأسس التي تقوم عليها هذه البازيليك. وقال: “أهميتها واضحة، بل تحملنا على التأمّل”، مضيفًا: أنّ الذين بنو كاتدرائية روما وضعوا “أسسًا متينة، فحفروا في العمق، وبذلوا جهدًا كبيرًا قبل أن يرفعوا الجدران”، وبهذه الطريقة منعوا انهيار البناء مع مرور الزمن.

بالنسبة للبابا، هذه صورة مفيدة لأننا نحن أيضًا، “كعمّال في الكنيسة الحيّة، يجب علينا أولاً أن نحفر في أعماقنا وما حولنا، قبل أن نقيم هياكل كبيرة”. واستشهد من قراءة الرسالة الثانية في الليتورجيا، المأخوذة من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل قورنتس: “فما مِن أَحدٍ يَستَطيعُ أَن يَضَعَ غَيرَ الأَساسِ الَّذي وُضِعَ، أَي يسوعَ المسيح” (1 قورنتس 3، 11). وهذا يعني أن نعود إليه وإلى إنجيله باستمرار، مُطِيعِين لعمل الرّوح القدس. وإلّا فسنوشك أن نقيم هياكل ثقيلة على أساس ضعيف”.

الكنيسة ورشة بناء

ثم انتقل البابا إلى الإنجيل المأخوذ من بشارة القديس لوقا (19، 1-10): “يشعر زكا، الرجل الغني وصاحب النفوذ، بالحاجة إلى أن يلتقي يسوع. لكنّه أدرك أنّه قصير القامة فلا يستطيع أن يراه، فصعد إلى شجرة، في تصرّف غير معتاد وغير لائق لشخص من مكانته، اعتاد أن يحصل على كلّ ما يريد بسهولة، على طاولة الجباية، كما لو كان حقّه”. وأوضح أن صعود زكا “بين الأغصان” كان يعني “اعترافه بضعفه وحدوده وتخطّيه كبرياءه”. وبهذه الطريقة تمكّن من لقاء يسوع، وهو لقاء يمثل “بداية حياة جديدة” له.

وأكد أنّ “يسوع يغيّرنا، ويدعونا إلى أن نعمل في ’ورشة‘ الله الكبيرة، وهو يصوغنا بحكمة بحسب مخططاته الخلاصيّة”. ولفت إلى أنّ “صورة ’الورشة‘ استُخدمت كثيرًا في هذه السنوات لوصف مسيرتنا الكنسيّة”، لافتًا إلى أنّها “صورة جميلة، تُعبّر عن النشاط والإبداع والالتزام، وأيضًا عن التعب والمشاكل التي يجب أن نحلّها، وهي أحيانًا مُعقّدة”.

في روما خيرٌ كبيرٌ ينمو

ورأى البابا أن صورة الورشة “تعبّر عن المجهود الحقيقي، والملموس، الذي به تنمو جماعاتنا كلّ يوم، في مشاركتها للمواهب، وتحت إشراف الرعاة”. واستذكر كيف، حتى في تاريخ بازيليك القديس يوحنا اللاتران، كانت هناك “لحظات فارقة، وتوقفات وتعديلات في المشاريع أثناء التنفيذ”. ومع ذلك، تابع قائلاً: “بفضل مُثابرة الذين سبقونا، يمكننا أن نجتمع اليوم في هذا المكان الرائع”.

وأضاف: “يوجد في روما خير كبير ينمو، رغم الجهود الكثيرة. لا ندع التعب يمنعنا من أن نتعرّف عليه ونحتفل به، فنغذّي حماسنا ونجدّده. ثمّ إنّ المحبّة التي نعيشها تُكوّن أيضًا وجهنا ككنيسة، لتظهر للجميع بوضوح أكبر أنها ”أمّ“، ”أمّ جميع الكنائس“، وأيضًا ”أمّنا“”، كما قال القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني في حديثه للأطفال في هذا العيد عام 1986.

ثم تأمل قداسته كيف تعيش كنيسة روما حاليًا “المرحلة التنفيذية للسينودس”، حيث “ما نضج خلال سنوات من العمل يتطلّب المقارنة والتحقّق في الميدان”. وقال: “هذا يتطلّب مسيرة في صعود شاق، ولكن يجب ألّا نيأس. بل يجب أن نواصل العمل، بثقة، لكي ننمو معًا”.

أهمية الليتورجيا

أخيرًا، أشار البابا إلى “بُعد أساسي في رسالة الكاتدرائية” وهو الليتورجيا، “القمّة التي يرتقي إليها عمل الكنيسة والمنبع الذي تنبع منه كلّ قوّتها”. بالنسبة للبابا، جميع الموضوعات التي أشار إليها في عظة الأحد موجودة فيها: “نحن بُنِينَا هيكلًا لله، ومَسكِنًا له في الرّوح، ونتلقّى قوّة لنبشّر بالمسيح في العالم”.

لذلك، يجب الاعتناء بالليتورجيا، خصوصًا هنا في كرسي بطرس، بحيث “يمكن أن نقدّمها مثالًا يُحتذى به لشعب الله كلّه، مع احترام القوانين، والانتباه إلى الحساسيات المختلفة للذين يُشاركون، بحسب مبدأ التثاقف الحكيم. وفي الوقت نفسه، الأمانة لأسلوب الرصانة المهيب الذي يميّز التقليد الرومانيّ، والذي يمكن أن يفيد كثيرًا نفوس المشاركين بشكل فعّال فيها”.

(راديو الفاتيكان)

Exit mobile version