البابا: اللاجئون شهود مميّزون للرجاء في عالم تغشاه ظلمة الحروب والمظالم

قال البابا لاوُن: في اليوم العالمي الـ111 للمهاجرين واللاجئين، الذي شاء البابا فرنسيس الراحل، أن يتزامن مع يوبيل المهاجرين وعالم الرّسالات، يقدّم لنا فرصة لنتأمّل في العلاقة بين الرّجاء والهجرة والرّسالة.

وقال البابا: في عالمٍ تَغشَاه ظلمة الحروبُ والمظالم، حتّى حيث يبدو أنّ كلّ شيء قد ضاع، يقف المهاجرون واللاجئون مثل رُسل رجاء. فشجاعتهم ومثابرتهم هي شهادة بطوليّة لإيمان يرى ما لا تقدر أن تراه عيوننا، وإيمان يمنحهم القوّة لتحدّي الموت في مختلف طرق الهجرة المعاصرة. وهنا أيضًا يمكن أن نجد شَبَهًا واضحًا مع خبرة شعب إسرائيل التّائه في البرّيّة، الذي كان يواجه كلّ خطر وهو واثق بحماية الله: “هو الَّذي يُنقِذُكَ مِن فَخِّ الصَّيَّاد، ومِنَ الوَباءِ الفَتَّاك. يُظَلِّلُكَ بِريشِه، وتَعتَصِمُ تَحتَ أَجنِحَتِه، وحَقُّه يكونُ لَكَ تُرسًا ودِرْعًا. فلا تَخْشى اللَّيلَ وأَهوالَه، ولا سَهْمًا في النَّهارِ يَطير، ولا وَباءً في الظَّلامِ يَسْري، ولا آفَةً في الظَّهيرةِ تَفتُك”.

المهاجرون واللاجئون يُذكّرون الكنيسة بطابع الحجّ فيها، فهي متّجهة دومًا إلى الوطن النّهائي، يَسنُدُها الرّجاء الذي هو فضيلة إلهيّة. وكلّ مرّة تقع الكنيسة في تجربة ”الاستقرار“ وتتخلّى عن كونها ” مدينة مرتحلة حاجَّة“ أي شعب الله الحاجّ نحو الوطن السّماوي، فإنّها تتوقَّف عن كونها ”في العالم“ وتصير ”من العالم“. إنّها تجربة نراها حاضرة في الجماعات المسيحيّة الأولى، حتّى إنّ الرّسول بولس كان عليه أن يذكّر كنيسة فيلبي بذلك: “أَمَّا نَحنُ فمَوطِنُنا في السَّمَوات ومِنها نَنْتَظِرُ مَجيءَ المُخلِّصِ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الَّذي سيُغَيِّرُ هَيئَةَ جَسَدِنا الحَقير فيَجعَلُه على صُورةِ جَسَدِه المَجيد بما لَه مِن قُدرَةٍ يُخضِعُ بِها لِنَفْسِه كُلَّ شَيء”.

اللاجئون الكاثوليك يمكن أن يكونوا مرسلي رجاء

وبصورة خاصّة، يمكن للمهاجرين واللاجئين الكاثوليك أن يصيروا اليوم مرسلي رجاء في البلدان التي تستقبلهم، وأن يشجّعوا مسارات إيمانيّة جديدة في أماكن لم تصل إليها بعد رسالة المسيح، أو أن يحثّوا على حوارات دينيّة تُبنى على الحياة اليوميّة والبحث عن القِيَم المشتركة. فبفضل حيويتهم وحماسهم الرّوحي، يمكنهم أن يساهموا في إنعاش جماعات كنسيّة أصابها الجمود وثقل الحياة، حيث يتقدّم الفراغ الرّوحيّ بشكل مقلق. لذا، يجب الاعتراف بحضورهم وتقديره على أنّه بركة حقيقيّة من الله، وفرصة للانفتاح على نعمته التي تعطي الكنيسة طاقة جديدة ورجاء متجدّدًا: “لا تَنسَوا الضِّيافَةَ فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون”.

وكان القدّيس البابا بولس السّادس يؤكّد أنّ العنصر الأوّل في البشارة بالإنجيل هو الشّهادة: “جميع المسيحيّين مدعوّون وقادرون، من هذا المنطلق، أن يكونوا مبشّرين حقيقيّين. لنفكّر بشكل خاص في المسؤوليّة التي تقع على عاتق المهاجرين في البلدان التي تستقبلهم”. إنّها رسالة حقيقيّة للمهاجرين، والتي تتطلّب إعدادًا مناسبًا ودعمًا مستمرًّا ثمرة تعاون كنسي فعّال بين الكنائس.

ومن جهة أخرى، يمكن للجماعات التي تستقبلهم أيضًا أن تكون شهادة رجاء حيّة. رجاء يُفهم على أنّه وعد بحاضرٍ ومستقبلٍ نعترف فيه بكرامة الجميع كأبناء لله. وبهذا، يُعترف بالمهاجرين واللاجئين كإخوة وأخوات، جزءًا من عائلة يمكنهم من خلالها أن يعبّروا عن مواهبهم ويشاركوا مشاركة كاملة في الحياة الجماعيّة.

واختتم البابا رسالته: في مناسبة هذا اليوم في سنة اليوبِيل، حيث تصلّي الكنيسة من أجل جميع المهاجرين واللاجئين، أودّ أن أُوكل جميع الذين هم ”على الطّريق“، وكذلك الذين يبذلون أنفسهم لمرافقتهم، إلى حماية سيِّدتنا مريم العذراء الوالديّة، عزاء المهاجرين، حتّى تحافظ على الرّجاء حيًّا في قلوبهم، وتسندهم في التزامهم ببناء عالم يصير دائمًا أكثر شَبَهًا بملكوت الله، الوطن الحقيقي الذي ينتظرنا في نهاية رحلتنا.

(راديو الفاتيكان)

Exit mobile version