شباب سوريون: إما العيش في بلد يحترم مسيحيتنا أو افتحوا لنا باب اللجوء الكنسي

بطريرك انطاكيا والمشرق للروم الأرثوذكس: الضامن الأول والأخير هو الدستور

الخوف من المستقبل.. شعور مشترك لدى مسيحيي سوريا بعد إطاحة الأسد

داخل كنيسة في دمشق القديمة، رفعت سارة لطيفة صلاتها مع نحو 500 شخص شاركوا في أمسية ميلادية، على وقع مخاوف تعتري مسيحيي سوريا هذا العام مع تسلم سلطة جديدة البلاد إثر إطاحة الحكم السابق الذي قدم نفسه حاميا للأقليات.

وتقول سارة لوكالة فرانس برس: “كانت ثمة صعوبات في ظل الظروف الراهنة أن نجتمع مجددا ونصلي بسلام وفرح، لكن الحمد لله تمت الأمور بخير”. ورتّل نحو 25 شابًا وشابة ومن بينهم سارة، ضمن جوقة مار أفرام السرياني البطريركية داخل كاتدرائية مار جرجس للسريان الأرثوذكس، بحضور امتلأت به مقاعد الكنيسة الخشبية، بينما كان أطفال يلهون في الباحة بعدما أوصدت جميع الأبواب.

وتضيف سارة: “مهما كان الطريق ضبابيًا أو مجهول النهاية، لكنني متأكدة أننا سنعيش الولادة الجديدة طالما أيدينا بأيدي بعض”.

حرق شجرة الكريسماس

وخرجت تظاهرات عدة في الكثير من أحياء دمشق المسيحية ليلة 24 ديسمبر، تقدمها رفع صليب خشبي كبير، ردد خلالها المشاركون هتافات عدة بينها “نريد حقوق المسيحيين”، وحمل بعضهم علم الاستقلال الذي ترفعه السلطة الجديدة، وانطلقت التظاهرات بعد انتشار مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه مقاتلون ملثمون وهم يضرمون النار بشجرة عيد الميلاد في مدينة سقيلبية التي تقطنها غالبية من المسيحيين الأرثوذكس.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مقاتلين ينتمون إلى فصيل جهادي هم من أحرق الشجرة. وفي مقطع فيديو آخر، ظهر مسؤول من هيئة تحرير الشام مؤكدًا لسكان المنطقة أن مرتكبي هذا العمل “ليسوا سوريين” وتعهد بمعاقبتهم.

وفي دمشق، يقول أحد المتظاهرين ويدعى جورج: “نزلنا لأن هناك الكثير من الطائفية والظلم ضد المسيحيين تحت تسمية تصرفات فردية” مع تكرار التداول بحوادث في مناطق عدة. ويضيف “إما أن نعيش في بلد يحترم مسيحيتنا وبأمان، كما كنا من قبل، أو افتحوا لنا باب اللجوء الكنسي حتى نغادر إلى الخارج”.

تراجع الإقبال

وكان عدد المسيحيين في سوريا يتراوح ما بين 2 و2.5 مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011، ليتراجع مع موجات الهجرة واللجوء تباعا. ويقدر الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش أن عدد المسيحيين المتبقين في سوريا اليوم يتراوح بين مئتي ألف و300 ألف شخص.

وقدّم الرئيس السابق بشار الأسد نفسه حاميًا للأقليات، وأدانت شريحة واسعة من مسيحيي سوريا بالولاء لدمشق بعدما طُردوا أو هُجّروا من مناطق عدة على أيدي مجموعات إسلامية متطرفة خصوصا خلال سنوات النزاع، وكان زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الذي يقود السلطة حاليًا وجّه رسائل طمأنة إلى الأقليات، بينها المسيحية، مع تقدم قواته سريعا وصولا إلى دمشق.

وفي أول كلمة له بعد وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، قال بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر إن “الضامن الأول والأخير.. هو الدستور”، داعيًا إلى أن “تكون عملية صياغة الدستور عملية وطنية شاملة وجامعة” لكل المكونات التي تشكل النسيج السوري.

في حي باب توما ذي الغالبية المسيحية، أنار يامن بسمار (45 عاما) مقهاه بخمسة آلاف مصباح صغير للفت نظر الزبائن وتشجيعهم على الدخول. وعلى وقع موسيقى ميلادية، يدعو المارة للدخول والاحتفال بموسم الأعياد. ويقول “الناس هذه الأيام تخاف ليلا بشكل عام، ويأتيني كثر ليتأكدوا إذا ما زلنا نقدّم الكحول أو ننظم السهرات والحفلات. في الحقيقة كل شيء موجود، ولم يتغير شيء”. ويضيف “الناس لديها خوف لا إرادي”.

وزيّن “يامن” كراسي المقهى بقبعات حمراء، ووضع شجرة ميلاد كبيرة وسط المكان، يلتقط الزبائن حولها الصور. ورغم ذلك، يشير إلى تراجع زبائنه بنسبة خمسين في المئة. ويقول “كنا نغلق العام الماضي الساعة الثالثة فجرا، أما اليوم فمع حلول الحادية عشرة نغلق أبوابنا”.

لكنه رغم الحذر السائد، يأمل أن “يكون العام المقبل الأفضل، وهذه أول مناسبة دينية مسيحية تعيشها سوريا بعد إطاحة الأسد قبل نحو أسبوعين على أيدي فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، التي أعلنت قبل سنوات فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتدرك الهيئة حاليًا أن طريقة تعاملها مع الأقليات مثل المسيحيين والعلويين والأكراد خصوصا، تخضع لتدقيق شديد.

ويشكل توحيد البلاد التي مزقتها الحرب إضافة إلى وجود فصائل ذات ولاءات متباينة، تحديا أمام السلطة الجديدة.

سأتفاءل هذه المرة

في بيت جبري التقليدي في دمشق القديمة، وحول بحرة كبيرة تتوسط باحة مُحاطة بالأشجار، تمايل العشرات في حفلة غنائية أطلق عليها المنظمون اسم “ليلة عيد”. وسبّق المنظمون موعد الحفلة ساعتين بسبب “قلة الحركة ليلا وصعوبة المواصلات”.

وتقول إيما سيوفجي (42 عاما) التي كانت قد ترددت في الحضور “الحفلة كانت جميلة للغاية بعكس ما توقعنا، كنت خائفة بسبب الفوضى”.

على وقع أغان ميلادية بوصت فيروز وأناشيد وطنية، التقى نحو خمسمئة شخص في المكان بينهم مسلمون ومسيحيون، ورفع بعضهم علم الاستقلال ذو النجمات الثلاث وهم يردّدون أغنية انتشرت بشكل واسع بعد سقوط النظام “ارفع راسك فوق.. أنت سوري حر”.

وتوضح إيما “من الطبيعي أن المجهول يخيف أكثر من المعلوم، ونحن كمسيحيين هذه السنة خائفون من المجهول، ولا يرغب أحد منا بترك بلده”. وتتابع “أغلب أصدقائي سافروا، لكن سأتفاءل هذه المرة، وأدعو الجميع للتمسك ببلده ومنزله ومجتمعه”.

وبينما تلتقط مقاطع مصورة وترسلها لأصدقائها السوريين في الخارج، تقول إن أمنيتها الوحيدة هذا العيد “ألا يسافر أحد بعد الآن، وأصلي من أجل أن يكون المستقبل أفضل”.

(أبونا)

Exit mobile version