“طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون، لأننا حين نصنع السلام، نُشبه أبانا الذي في السماوات” – القس طوني جورج راعي بالكنيسة المعمدانية الإنجيلية

اليوم، أشعر بفخر عميق وأنا أتابع ما يحدث من خطوات جادة نحو اتفاقية السلام ووقف نزيف الدم في قطاع غزة الفلسطينية. بعد شهور طويلة من الألم والدمار، ها هو صوت الحكمة يعلو على صوت السلاح. وذلك تكليلًا لجهود الوساطة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ونصرة الشعب الفلسطيني، وتأكيدًا على دور مصر الثابت وموقفها الواضح تجاه القضية الفلسطينية والذي يرتكز على إقامة دولة فلسطينية مستقل على حدود 4 يونيو 1967.

لقد أثبت التاريخ مرارًا أن السلام هو الطريق الوحيد لبناء المستقبل، وأن الشعوب التي تتخذ من المصالحة طريقًا، ومن الحوار منهجًا، هي التي تنعم بالاستقرار. ففي عالمٍ تمزّقه الصراعات ويُثقل كاهله الحزن، يطلّ فجرٌ جديد من مدينة السلام بشرم الشيخ، وهو ما يزيد من فخرنا لأن هذا التحول التاريخي يحدث على أرض مصر — أرض السلام، التي تفتح ذراعيها دائمًا لكل جهد يسعى نحو التهدئة والوئام. فمصر كانت وما زالت جسرًا بين الشعوب، وصوتًا عاقلًا في زمنٍ امتلئ بالضجيج، وهذا الاتفاق يفتح آفاقًا جديدة لإرساء سلام عادل وشامل في المنطقة، ويمنح الشعب الفلسطيني بارقة أمل في تحقيق تطلعاته الوطنية المشروعة.

ولا يمكن قراءة المشهد الحالي بعيدًا عن التحركات الدولية الأخيرة، واعتراف 80% من دول العالم وغالبية دول القارة الأوروبية بدولة فلسطين عبر إعلانات رسمية، بعد عامين من الحرب في قطاع غزة، وبحسب إحصاء لوكالة الأنباء الفرنسية، اعترفت 151 على الأقل من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين.

وفي خضم هذا الانتصار التاريخي وجب علينا توجيه شكرٍ وامتنانٍ صادق للقيادة المصرية، وعلى رأسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي حمل راية السلام بثبات وشجاعة، وأثبت للعالم أن القوة الحقيقية ليست في الحرب، بل في القدرة على صناعة السلام، لا بالدمار وتهجير الشعوب خارج وطنهم. بالإضافة للدور المصري المكثف مع الأطراف الدولية لضمان وصول المساعدات.

الدور المصري لم يقتصر على الوساطة، بل كان محركًا رئيسيًا للعملية السلمية وداعمًا راسخًا لحقوق الشعب الفلسطيني، في تأكيد بأن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد لإنهاء الصراعات وحماية أرواح الأبرياء، فمصر ستظل خط الدفاع الأول عن الشعب الفلسطيني، سياسيًا وإنسانيًا.

كما نؤكد هنا على أهمية تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ بنود الاتفاق كافة، وخاصة ما يتعلق بانسحاب الاحتلال وعودة الحياة الطبيعية إلى القطاع وإعادة الإعمار وعودة الحياة مرة أخرى، فالدعم الدولي المستمر ضروري لبناء الثقة في مسار السلام على المدى الطويل.

إننا جميعًا — شعوب المنطقة — بحاجة لأن نؤمن أن السلام ليس ضعفًا، بل هو أعلى أشكال القوة، لأنه يحتاج إلى حكمة، وصبر، وإيمان بأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا. وليكن هذا الاتفاق بداية جديدة، تُعيد البسمة للأطفال، وتمنح الأمان للأسر، وتفتح صفحة جديدة من التعاون والبناء. فالعالم لا يحتاج إلى مزيد من الدمار.. بل إلى مزيد من الإنسانية، والعدل، والسلام.

فلنرفع صلاتنا اليوم أن يملأ إله السلام كل قلبٍ خائف بالطمأنينة، وكل بيتٍ فقد أحبّاءه بالصبر، وأن يهب منطقتنا بداية جديدة مستقرة آمنة، عنوانها الحياة بدل الموت، والوحدة بدل الانقسام، والمحبة بدل الكراهية.

Exit mobile version