رسالة مفتوحة إلى غبطة البطريرك مار لويس ساكو.. دروس الماضي لا تُهمل.. فلنُحسن الإصغاء قبل أن يتكرر الخطأ – جونسون سياويش، وزير سابق في كوردستان

حين عُقد مؤتمر لندن للمعارضة العراقية في منتصف ديسمبر عام 2002، تحضيراً لمرحلة ما بعد صدام حسين, ارتكبت القيادات السياسية لشعبنا المشارِكة في أعمال المؤتمر خطأين جسيمين لا يمكن التغاضي عنهما. أولهما كان تبني سياسة الإخضاع وقبول بالأمر الواقع بقبولهم مخرجات المؤتمر الكارثية التي أسهمت بشكل مباشر في تقسيم شعبنا إلى قوميتين: الآشورية والكلدانية.

أما الخطأ الثاني فتمثل في اختيار “يونادم كنا” لتمثيل شعبنا في لجنة المتابعة والتنسيق للمعارضة العراقية بناءً على شروط مكتوبة غير ملزمة. وما إن وصل إلى مجلس الحكم الانتقالي في عام 2003، الذي كان آنذاك أعلى سلطة تنفيذية في العراق الجديد حتى تجاهل تلك الشروط وأهملها، خاضعًا بسهولة للتحركات المعادية والمشبوهة من خارج البيت القومي حفاظًا على مصالحه الخاصة. وقد قبل مرغمًا بمخطط تقسيم شعبنا رسميًا في دستور العراق الدائم عام 2005، حين كان عضوًا في لجنة صياغة الدستور.

ولم يكتفِ “كنا” بهذا الخطأ المصيري، بل تحرك في جميع الاتجاهات مستخدمًا كل الوسائل الممكنة لإفشال مشروع الحكم الذاتي الذي أطلقه السيد سركيس أغاجان، والذي حظي بدعم دولي وأمريكي في عهد الرئيس جورج بوش الابن. وفي الوقت ذاته أضاع على شعبنا فرصة ثمينة أخرى، إذ لم يستثمر نفوذه وسلطته لإصدار قانون خاص يضمن تطبيق المادة 125 من الدستور العراقي.

وتكررت أخطاء السيد كنا مجددًا، بعدما أدرك أن مشروع الحكم الذاتي بات يحظى بدعم دولي متزايد، يصعب عليه إفشاله بمفرده، خاصة أن تأثيراته الدولية كانت محدودة. فتحرك نحو البطريرك مار لويس ساكو الذي كان حينها راعي أبرشية كركوك والسليمانية للكنيسة الكلدانية، مستغلًا نفوذه القوي لدى الفاتيكان وخصوصًا لدى قداسة البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر، لإجهاض هذا المشروع القومي الكبير.

وقد شن الشخصيتان حملات إعلامية تحريضية محليًا ودوليًا ضد المشروع، محاولين إضعاف أهميته، وأطلقوا عليه تسميات مختلفة مثل: (وهم، فخ، قفص، محرقة لشعبنا وغيرها).

وبعد فشل تلك المحاولات، انفرد المطران مار لويس ساكو باتجاه اخر بخلاف جميع بطاركة كنيستنا المشرقية الذين وافقوا على المشروع بإرسال مذكرات خاصة إلى “ستيفان دي ميستورا” ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، الذي كان يتمتع بصلاحيات واسعة من مجلس الأمن الدولي والذي كان مكلفًا بإيجاد صيغة قانونية لإقرار هذا المشروع في مجلس الامن الدولي. وقد حصل على نتائج إيجابية وبنّاءة من غالبية مؤسسات شعبنا السياسية والقومية والدينية.

بينما كان دي ميستورا يستعد للسفر إلى نيويورك لتقديم تقريره النهائي الإيجابي، استخدم المطران مار ساكو نفوذه لإقناع البابا بندكتس السادس عشر بالتحرك سريعًا لاحتواء الموقف، مما أدى إلى إجبار دي ميستورا على التراجع عن المشروع, وبالفعل وصل دي ميستورا إلى الفاتيكان، حيث أُبلغ رسميًا بالتخلي عن مشروع الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري، وقيل له نصًا: (إن تثبيت الحكم الذاتي, يعني أننا نضعهم في النار).

هذا ما أكده “سركيس أغاجان” في أحد لقاءاته الصحفية، إذ قال: (في اجتماع لدي ميستورا مع بعض القادة الكرد بتاريخ 8/6/2008 حول موضوع الحكم الذاتي لشعبنا، صرّح دي ميستورا: أنا أعلم أن هذا الشعب يريد الحكم الذاتي، ولكن جهة عالمية مؤثرة (فضّل سركيس عدم ذكر اسمها) عارضت تثبيته لأننا بذلك سنضعهم في النار).

اليوم وجدت نفسي مضطرًا لكشف هذه الحقائق، لتكون عبرة لنا جميعًا، كي لا يكرر أحد مهما كان منصبه أو درجته الكنسية مثل هذه الأخطاء الكارثية في المستقبل القريب. لان فرصتنا القادمة قد تكون الأخيرة في هذه المرحلة، وحينها لا يمكن التنبؤ بمصير شعبنا في العقود أو القرون القادمة.

Exit mobile version