
الصحراء ستزدهر: ماري دي بيتاني – الأب باتريك شادينيّ الكرمليّ
سيبقى يوم 28 من مارس 2025 في تاريخ الكنيسة اللاتينية والكنيسة الكاثوليكية في مصر تاريخًا مهمًا وذو دلالة: لقد اختتمنا- باحتفال ليتورجي كبير في كاتدرائية سانت كاترين بالإسكندرية- عملية التطويب الأبرشيّ لخادمة لله ماريا دي بيتاني من رهبنة والدة الله.
كان لحظة فرح ورجاء لرؤية ابنة مصريّة بالقرب منا، من أصل أرمنيّ وراهبة من رهبنة والدة الله، في طريقها نحو التطويب على مذابح الكنيسة الكاثوليكيّة.
ولدت خادمة الله في 19 مايو 1901 في الإسكندرية، وبعد أن درست في كلية والدة الله في نفس المدينة، كانت أولى رغباتها أن تصبح راهبة كرمليّة، ولكن بسبب حالتها الصحية الضعيفة لم تُقبل في رهبانيّة الكرمل. ثم التقتْ مع الأب ستيفانيني اليسوعيّ، الذي حثها على أن تنضم إلى رهبنة والدة الله.
عند بلوغها 44 عامًا، توفيت خادمة الله في الإسكندرية يوم 26 أكتوبر 1945 بعد صراع طويل مع المرض. وذيع صيتها ليس فقط بين الراهبات، بل أيضًا في الكنيسة كلّها. فالله يبعث قديسين في اللحظات المهمّة من التاريخ ليذكّرنا بقوة الإنجيل وجماله.
طالما تميزتْ منذ بداية مسيرتها في الحياة الرهبانيّة بحبها لسرّ الإفخارستيّا، ولمريم العذراء. ومن ثمّ، نشأ في قلبها الرغبة في تقديم حياتها من أجل تقديس الكهنة. تقديس الكهنة كان جزءًا أساسيًا من رسالتها. وقد دعاها حبّ الله اللامحدود لتكون رسولة في الكنيسة المصريّة، تحيا في الصلاة، ومقدمةً ذبيحة آلامها من أجل الكهنة الذين يحتلون مكانة خاصّة في قلب يسوع وفي قلب مريم الطاهر.
كانت منفتحة على عمل روح الله في مسيرتها الروحيّة، فتلقت من الله موهبة “الخواطر الداخلية”، أي أنها كانت تسمع في قلبها صوت السيدة العذراء والمسيح نفسه، يدعوانها لأن تعيش حبًا أعمق في حياتها الداخلية. وهكذا كانت تقدّم في بساطة وتواضع صلاتها الصامتة، متشفعة من أجل احتياجات البشريّة والكنيسة.
بقرار من معَرّفيها، كتبت هذه “الخواطر الداخلية” التي هي أفكار صغيرة كانت تشعر بها في قلبها، وهي لحظات من التواصل الروحي.
كرست ذاتها بشكل مستمر، لتعليم الطالبات في كلية والدة الله، وأظهرت دائمًا موهبة الاستماع والحوار معهنَّ، اللاتي كن يلجأن إليها للحصول على توجيهات روحية ودراسية.
وفي جماعتها الرهبانيّة، عاشت حياة “عاديّة بطريقة استثنائية”، من خلال الصمت، والوداعة، والطاعة، والصلاة.
تمتلك خادمة الله ماري دي بيثاني، بلا شك، رسالة غنية للعالم اليوم، سواء من خلال تضحيتها من أجل تقديس الكهنة، أو كنموذج للمربية في المدرسة، أو كعلامة على محبّة الله للكنيسة الكاثوليكية في مصر. إنّ خادمة الله، مع انتهاء عملية تطوبيها وإرسالها إلى روما للتحقق من بطولتها في الفضائل، لا تنتمي فقط إلى جماعة والدة الله، بل إلى الكنيسة بشكل عامّ. إنها ليست فقط للكنيسة اللاتينية، بل هي تخص جميع الطقوس الموجودة في مصر.
كان الاحتفال بالإفخارستيا لحظة من الشكر والفرح للانتهاء من عملية دراسة الوثائق الخاصة بتطويب خادمة الله. وقد ترأس الاحتفال النائب الرسولي، المطران كلاوديو لوراتي، بحضور المطران غريغوريوس كوسا من الكنيسة الأرمنية. كما حضر صاحب السعادة السفير البابويّ في جمهرية مصر العربيّة السفير نيكولا هنري ماري دينيس، وعدد من الكهنة، والعديد من الراهبات والعلمانيين،
وقد حضرت الاحتفال أيضًا، الراهبة برناديت روسوني من راهبات سان كاميلو والمسؤولة عن دعاوي القديسين، والراهبة جورجيت الرئيسة العامّة. وشكر خاص للأخت كريستينا وجميع أفراد جماعة الإسكندرية على الدعم الذي قدموه للجنة.
والأن؟ بمجرّد أن يتم نقل الوثائق إلى روما، لا يجب أن نعتقد أن عملنا هنا في مصر قد انتهى، بل أقول إن العمل الحقيقيّ يبدأ الآن. تقع على عاتق الكنيسة كلها في مصر مسؤولية نشر معرفة خادمة الله، والصلاة من أجلها، لكي يعمل الرب بشفاعتها ويحقق المعجزات، حتى يتمّ في يوم من الأيام تطويبها من قبل الكنيسة. تذكرنا خادمة الله أننا جميعًا مدعوون إلى القداسة، ولا أحد مستثنى.
خادمة الله الأخت ماري دي بيثاني هي عطية الله في هذا العام الخاصّ بسنة اليوبيل، وتعلّمنا أن نسير معًا في الرجاء. أؤمن أن مثال خادمة الله يعد أداة رائعة للكرازة في المدارس الكاثوليكية، وللكهنة والأساقفة، ولكل من يؤمن بشفاعة القديسين.