مصر وأوروبا – الأب رفيق جريش

فعاليات القمة المصرية–الأوروبية الأولى التي انعقدت في بروكسيل عاصمة بلجيكا والتي حضرها وتحدث فيها سيادة الرئيس السيسي هي قمة تأخرت بعض الشيء، ولكنها تأتي بعد النجاح المصري في إقرار وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على أن يتماسك هذا “الوقف”، بل يتطور إلى المراحل التالية المرسوم لها أن تتم.

مصر دائما تفتح ذراعيها (فرعى دمياط ورشيد) نحو العالم، خاصة نحو أوروبا التي هي في البر المقابل للبحر المتوسط، وعلاقات مصر مع أوروبا هي علاقات قديمة، قدم الحضارة الفرعونية. فالعلاقات مع الحضارة الإغريقية والرومانية، ثم مع الحضارات الحديثة منذ عهد نابليون في فرنسا ثم بريطانيا، وأن كان اعتراها في بعض المراحل التاريخية أزمات، إلا أن في آخر الأمر لا نستطيع أن نغفل الجغرافيا المشتركة بين مصر وأوروبا. لذا فإن التكامل السياسي والاقتصادي والثقافي مطلب أساسي لتنمية ونمو هذه العلاقة.

وسيكون من المهم تقوية جسور التعاون بين مصر وأوروبا، ليس فقط بحثاً عن حزمة مساعدات اقتصادية، ولكن للتعاون في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. فالأوروبيون يضعون في اعتبارهم أن بوابة الدخول للقارة الأفريقية هي مصر، و1.5 مليار أفريقي ينتظرون التعاون مع أوروبا من خلال مصر. وليس سراً أن القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية التي لا تحصى، والتي تنتظر تنميتها بدون الاستغلال الاستعماري كما كان في السابق. كذلك مصر، الشريك الأول لأوروبا، التي تقوم بدور محوري في منع الهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال تنمية البلاد والشعوب الأفريقية وتحريرها من الفقر والمرض والجهل، لأن الاستثمار في البشر هو أنجح طرق للاستثمار وهكذا يكسب الجميع في هذه المعادلة.

ويرحب الجانبان المصري والأوروبي بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن المرحلة الأولى من الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكذلك نتائج قمة شرم الشيخ للسلام التي عُقدت في 13 أكتوبر الحالي.

ودعا البيان جميع الأطراف إلى مواصلة العمل على تنفيذ الخطة، ورحب بجهود الوساطة المصرية في هذا الصدد، وأكد الرفض القاطع لأي محاولات ضم أو تهجير الأفراد أو الجماعات قسرياً كان أم غير قسري، الفلسطينية من أي جزء من الأرض المحتلة.

وأكد البيان دعم جهود الأمم المتحدة في ليبيا، ودعم خارطة طريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لضمان السلام والاستقرار والسيادة والوحدة في البلاد.

كما أكد البيان أهمية التنسيق الدولي لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، بما في ذلك آثار تغير المناخ والنزوح والتطرف العنيف المؤدى إلى الإرهاب. وأكد مجدداً الدعم لجهود إعادة الإعمار والتنمية في أفريقيا، بالتوافق مع دور الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات، الذي تستضيفه القاهرة. وأكد مجدداً الدعوة لوقف إطلاق النار وإيجاد حل سلمى للصراع في السودان، وأنه ينبغي على جميع الأطراف المعنية الانخراط بشكل بناء في عملية سياسية شاملة يقودها ويملكها السودانيون.

وقال البيان: “يجب حماية الأمن البحري وحرية الملاحة في البحر الأحمر، بما يعود بالنفع على الأمن والتجارة الدوليين”.

وإدراكاً للتأثير الاجتماعي والاقتصادي للأزمات الإقليمية على مصر، يُجدد الاتحاد الأوروبي التزامه بدعم جهود مصر الرامية إلى تحقيق الاستقرار والمرونة على مستوى الاقتصاد الكلى، من خلال حزمة دعم بقيمة 7.4 مليار يورو، تُعزز الشراكة الاستراتيجية والشاملة، كما أُعلن عنها في مارس 2024. وتتألف هذه الحزمة من 5 مليارات يورو كقروض ميسرة، و1.8 مليار يورو في صورة استثمارات إضافية سيتم حشدها، و600 مليون يورو كمنح. وتوفر المساعدة المالية الكلية الأخيرة دعماً مالياً حيوياً، يُواكب أجندة الإصلاح في مصر، لا سيما لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بالتعاون الوثيق مع البرنامج الجاري تنفيذه مع صندوق النقد الدولي.

وإذ يُدرك الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر من أي وقت مضى اعتماد مصر الشديد على نهر النيل في ظل ندرة المياه، يُؤكد دعمه لأمن مصر المائي والامتثال للقانون الدولي، بما في ذلك ما يتعلق بالسد الإثيوبي. ويُشجع الاتحاد الأوروبي بشدة التعاون عبر الحدود بين دول حوض نهر النيل على أساس مبادئ الإخطار المسبق والتعاون وعدم الضرر.

خلاصة القول، فإن امتداد مصر الجغرافي والسياسي والثقافي في أوروبا، كما أن امتداد أوروبا نحو القارة الأفريقية وبوابتها هي مصر.

Exit mobile version