لا لمدينة الخيام – الأب رفيق جريش

أعلنت مصر بكل حزم رفضها الكامل حول إنشاء مدينة للخيام جنوب القطاع، أو إجراء أي تغيير ديموجرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه السيد بدر عبد العاطي وزير الخارجية، مع ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط. وتناول الاتصال الجهود المكثفة المبذولة حاليا للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، والعمل على استدامته، وكذلك الدفع باتجاه إطلاق سراح مجموعة من المحتجزين مقابل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، دون عوائق وبشكل كاف، في ظل الأوضاع الكارثية في القطاع المنكوب.

وتصر إسرائيل على انتهاك قواعد القانون الدولي بمحاولات اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التاريخية لحشرهم فيما أطلقت عليه “مدينة إنسانية”، وهي في حقيقتها مدينة للخيام لا تحمل من اسمها شيئا، فلا هي مدينة ولا هي إنسانية، مجرد منطقة منغلقة معزولة، وسيعيش الفلسطينيون فيها في نكبة جديدة يزيد من مأساتهم مأساة جديدة.

الخطة التي طرحها وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ويلقى بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء الاحتلال بكل ثقله خلفها، قوبلت برفض فلسطيني وعربي وعالمي، إلى جانب ارتفاع الأصوات في الداخل الإسرائيلي لرفضها سواء من قبل الجيش ورئيس الأركان إيال زامير، والمعارضة، حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت هاجم علنا المدينة باعتبارها تطهيرا عرقيا. ونيتانياهو كالعادة ينفذ خططه لمحو الفلسطينيين وليس حماس، كما يدعي، وكلما زاد الرفض والانتقادات، مضى في تنفيذ خططه الإجرامية.

ومن صدف القدر أن الصهاينة يخططون لإنشاء مدينة الخيام بنفس الأسلوب الذي هم ذاتهم يولولون أنهم كانوا منها في معسكرات النازي في الحرب العالمية الثانية، أو معسكرات الحلفاء الذين وضعوا مزدوجي الجنسية في معسكرات، خوفاً من أن يكونوا جواسيس، ويشربون الفلسطينيون أصحاب الأرض من نفس الكأس الذي تجرعوا منه .

دول العالم، وفى مقدمتها مصر، والمنظمات الدولية والإنسانية، أعلنت رفضها لهذه الخطة الشريرة وأكدت مصر، مراراً وتكراراً، رفضها خطة تهجير الفلسطينيين، كما أكدت رفضها الكامل لكل الأفكار التي تتردد حول إنشاء مدينة “الخيام” في جنوب قطاع غزة أو إجراء أي تغيير ديموجرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما رفضت السلطة الفلسطينية الخطة بشدة، محذرة من أنها تمثل غطاء لتهجير قسري. وأكدت حماس رفض أي مشروع يبقى أهالي القطاع محاصرين في جزء صغير من غزة.

وشددت الأمم المتحدة وقوفها بحزم ضد أي خطة تنطوي على تهجير قسري للمدنيين في غزة أو إجبارهم على اتخاذ خيارات مستحيلة، فالمدينة المقترحة تمثل بحد ذاتها مشكلة، وتثير مخاوف بشأن المزيد من التهجير القسري للفلسطينيين في غزة، فضلا عن الدعوات الإسرائيلية إلى النقل الطوعي للفلسطينيين إلى دول ثالثة.

وتكمن الصعوبة القانونية في عدة جوانب من الخطة، بدءاً من نقل السكان إلى المدينة، مروراً بمنع الخروج منها، ووصولا إلى تشجيع الهجرة من غزة. وإكراه السكان على المغادرة إلى هذه المنطقة، والانتقال من مكان إلى آخر يخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ويعتبر جريمة حرب تضاف إلى سجل إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.

وكان وزير دفاع الاحتلال قد كشف عن تفاصيل هذه الخطة التي تقوم على إنشاء منطقة مغلقة في جنوب غزة من الصفر، خلال هدنة محتملة مدتها 60 يوما. وتستهدف الخطة في مرحلتها الأولى نقل نحو 600 ألف نازح فلسطيني إلى هذه المنطقة، مع إقامة أربع مراكز لتوزيع المساعدات تديرها منظمات دولية، على أن يتم نقل جميع سكان غزة لاحقا. وبمقتضى هذه الخطة، سيخضع سكان غزة لعمليات تدقيق أمنية بهدف التأكد من عدم انتمائهم لحماس. وبمجرد دخولهم المنطقة، لن يسمح لهم بالمغادرة.

هذا السجن العملاق على أنقاض مدينة رفح الفلسطينية، وإصرار إسرائيل على البقاء في محور موراج يعطلان المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار في غزة، كما أن موقف نيتانياهو الذى يماطل من أجل تأجيل الوصول إلى هدنة أو حتى اتفاق جزئي يمثل أيضا إحراجاً لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن عن تفاؤله بقرب التوصل إلى صفقة، رغم عدم إعلانه العلني لمعسكر مدينة الخيام.

هذه الفكرة الشريرة تعود بالإنسانية إلى سنوات من الظلام، لأن حقوق الشعوب، وأولها الحرية لم تعد من مفردات العالم الحر أو بالأول الغير حر.

مرة أخري لا وألف لا لمدينة الخيام هذه.

Exit mobile version