عيد إصعاد مريم – الأب رفيق جريش

العذراء مريم في البشارة استقبلت يسوع في أحشائها وهي ذاتها اليوم التي أُصعدت بالنفس والجسد إلى السماء، فالجسد هو اختباء الأبدي في المادي فيسوع أصبح في جسد الإنسان الله كامل الإنسانية يعرف الفرح والحزن والتعب والأكل والشرب والنوم … إلى أخر “الذي كان من البدء، الذي سمعناه ورأيناه بعيوننا، الذي تأملناه ولمسته أيدينا من كلمة الحياة” (1 يو 1:1)، فقيامة الرب يسوع المسيح هو شيئاً طبيعياً لأنه هو الأبدي وبالتجسد لم يستعير الإله جسد ثم ألقاه بعد الانتهاء منه ولكن هذا الجسد أصبح جسده الإلهي فلا يستطيع أن يُفسد ولذا صعد الرب يسوع المسيح وبالتالي جسد مريم الذي ذاق ألوهية يسوع فيها لا يمكن أن يعود إلى الفساد أو التراب يقول القديس يوحنا الدمشقي “أنت، ينبوع دائم للنور الحقيقي، كنز لا ينفذ لمن هو الحياة بالذات فكيف تكونين للفساد”.

أما نحن ففينا معركة مستمرة بين النور والظلمة فجزء منا مُعتم لأن الله ليس فيه أما مريم فهي منذ ولادتها ” ممتلئة نعمة ” فيها لا يوجد أي ظلمة أو منطقة مُعتمة فقد امتلأت كلية ” بالنعمة ” (جسدها أفكارها ـ أقوالها ـ روحها) لذلك لم يكن من الممكن أن يعرف جسدها في رقادها فساداً تماماً مثل يسوع المسيح الذي جلس عن يمين الله الآب في ملئ مجده الإلهي. أما جسد مريم فهو في المجد لأن الله حاضر فيه. لذا إصعاد القديسة العذراء هو رقصة مجد وترتيلة فرح وصرخة إلهية، فجسدها مرتبط ارتباطا أبدياً ومتحداً بجسد الكلمة “يسوع المسيح ويحيا به وكما يقول القديس غريغوريوس بالاماس” مريم هي الحد الفاصل بين الطبيعة المخلوقة وغير المخلوقة”.

وهنا نلمس سر المادة “فكثيرًا” ما نظن أن المادة عكس الروح وتبدو لنا المادة مُعتمة ومظلمة ومحدودة ونهائية، ولكن القديس بولس يفرق بين الجسد بمعنى جسد الخطيئة أو الضعيف chair بالفرنسي وsarks باليوناني وبين الجسد المعبر عن الشخص ككل هيكل الروح القدس corps بالفرنسي أو soma باليونانية. فالروح والجسد “هيكل الروح القدس” هي معاً من أعمال يد الله وبالتجسد المادة ارتفعت إلى المستوى الإلهي وأصبحت أداة معبرة عن محبة الله لنا وبالقيامة المادة لبست الإله أصبحا واحداً.

عيد إصعاد مريم هو عيد لجسدنا نحن الذي يوماً ما سيكون مثل جسد مريم العذراء. فاليوم نحمل جسد سيموت فهو يحتمل التعب والألم والمرض والضعف وسيعرف الفساد والتراب ولكن مع ومثل مريم العذراء جسدنا سيقوم وسيعبر في نور الله وسيكون مع الله نبع محبة وحياة. “من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو 6: 54).

بعد إصعاد العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد، جسد مريم تجلى في الله ويسبق تجلينا نحن. أفراداً وجماعة. فالكنيسة جسد يسوع المسيح المنظور تبني مسيرة “إصعادها” نحو الملكوت من الآن جميع الأعضاء يعملون معاً للوصول إلى هذا الهدف الأسمى والأوحد. وكل عام والعذراء مريم وأنتم طيبين.

Exit mobile version