رؤية مصر والعرب – الأب رفيق جريش

يظن ترامب أن صوته العالي وعصى المساعدات سترهب مصر والأردن وغيرها، ولكن السياسة الهادئة الراسخة القائمة على مبادئنا هي راسخة كالصخر، لتثبت مرة أخرى أنه لا يصح إلا الصحيح، المتسلح بتأييد شعبه وقوة جيشه الذي سيكون له الكلمة الأخيرة، انطلاقاً من خبرته الطويلة مع إسرائيل، فتكتسب الرؤية المصرية المتعلقة بالأوضاع في غزة رسوخاً أكثر وأكثر وتأييدا في العالم أجمع، نظراً إلى عدالتها ومشروعيتها ومنطقها وثوابتها، وتلك الثوابت هي ضرورية للحفاظ على حق الفلسطينيين في العيش على أرضهم، ورفض فكرة تهجيرهم إلى أي مكان آخر، مهما كانت الحجج.

والحقيقة هي أن الرفض للطرح الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل القضية يتزايد يوماً بعد يوم، حيث إنه طرح لا يستند إلى أي منطق أو قانون. وكما هو معروف، فإن طرح الرئيس الأمريكي في أساسه يقوم على طرد الفلسطينيين من غزة، وترحيلهم إلى أمكنة أخرى، بحجة تحويل غزة إلى منتجع سياحي عالمي يشبه الريفيرا الفرنسية.

إن مصر وأغلب الدول العربية يرفضون موقف ترامب من تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، والدول العربية في أغلبها أعلنت موقفاً حاسماً في الرفض. السعودية، وهي كانت المرشحة إلى لعب دور في الاتفاق، كانت قاطعة وحاسمة، وهو أنه لا دور ولا مشاركة لها ما لم يكن هناك وقف للتهجير، وإقامة دولة فلسطينية. كذلك جاء الرفض من أوروبا وأمريكا اللاتينية، ومعها جاء التأييد للموقف العربي من روسيا والصين والجنوب العالمي.

وفى الولايات المتحدة ذاتها، خرجت مظاهرات لتأييد الفلسطينيين في جميع الولايات كما استنكرت بعض المنظمات اليهودية موقف ترامب من أهل غزة. والجولة على هذا النحو لم تنته بعد، وما يجمع الأطراف حاليا هو المحافظة على وقف إطلاق النار وفقا للاتفاق الراهن، وهذا ما يبدو والتي نجحت فيه مصر وقطر فيه، حتى كتابة هذا المقال، وضرورة تعمير غزة دون تهجير أهلها في مبادرة عربية واحدة: فالتعمير واجب في إطار عملية سلام شاملة وهذا ما شرعت فيه مصر رغم التعنت الإسرائيلي وحججه الواهية.

هذا الجانب الأخير هو مفتاح الموقف، ولا يمكن تحقيق انطلاقة فيه ما لم يتم التوافق على استراتيجية تنضم فيها القاهرة وعمان مع الرياض وأبو ظبي والدوحة والقيادة الفلسطينية، وقوامها تشكيل فريق عمل مؤقت من فلسطينيي المهجر من أصحاب السمعة الدولية والعالمية لإدارة المفاوضات التي تعيد الوحدة السياسية للضفة الغربية والقطاع، والتفاوض مع إسرائيل للانسحاب من غزة مع وقف دائم لإطلاق النار.

إعمار غزة سوف يكون جزءاً مهماً من عملية سلام شاملة تقيم الدولة الفلسطينية، وعلى الحكومة الفلسطينية أن تتحرك أكثر من ذلك، فهي بطيئة بعض الشيء في طرح رؤيتها والمبادرة باتخاذ الخطوات الأولى نحو التسوية، ولا اعرف لماذا صوتها خافت وباهت؟ فلتعلي صوتها، وليراها العالم بجانب شقيقاتها من الدول العربية المساندة لقضيتها.

Exit mobile version