العناني.. من حارس الذاكرة المصرية إلى أمين الوعي الإنساني – الأب رفيق جريش

لم يكن فوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل لحظة رمزية تكشف عن تحوّل في صورة القيادة الثقافية على المستوى الدولي. فأن يتولى عالم مصريات مصري هذا المنصب، يعني أن الحضارة التي علّمت العالم معنى الذاكرة، تعود لتشارك في صناعة الوعي الإنساني من موقع القيادة.

خالد العناني لم يأتِ من خلفية سياسية تقليدية، بل من قلب العلم والثقافة. طوال سنواته في وزارة السياحة والآثار، قدّم نموذجًا للمسؤول الذي يدير الملفات بروح الباحث لا البيروقراطي. أعاد إحياء مواقع أثرية، وفتح المتاحف القديمة لتتنفس من جديد، وجعل من الآثار قصة معاصرة تحكي عن هوية مصر في زمن السرعة والنسيان.

واليوم، وهو يتولى منصب مدير عام اليونسكو، ينتقل من حماية الذاكرة الوطنية إلى حماية الذاكرة الإنسانية جمعاء من الأهرامات إلى كل أثرٍ يحمل حكاية بشر.

أن يقود عربي هذه المؤسسة الأممية لأول مرة هو أيضًا تأكيد على أن العالم لم يعد يُدار من طرف واحد، وأن العقول القادمة من الشرق لا تقل قدرة على صياغة المستقبل. المنصب ليس مجدًا شخصيًا، بل مسؤولية كبرى. فـاليونسكو اليوم تواجه أزمة تمويل، وانقسامًا سياسيًا بين أعضائها، وتراجعًا في تأثيرها أمام الأزمات العالمية المتسارعة.

على خالد العناني أن يعيد للمنظمة دورها كمظلّة فكرية تحمي التراث من التسييس، وتمنح العلماء والفنانين صوتًا يتجاوز الحدود. نحن نعلم جيداً لن يكون الطريق سهلاً، فالمناصب الأممية محاطة بحسابات السياسة، لكنه يدرك من خبرته أن الحياد ليس ضعفًا، بل شجاعة من نوع خاص فلابد أن تقف في المنتصف، وتقول الحقيقة بلا انحياز. ومصر تملك اليوم ما يجعلها تستعيد هذا الدور بالمعرفة لا بالهيمنة.

حين يتحدث العناني باسم اليونسكو، فهو يحمل تاريخًا طويلًا من احترام الآخر، ووعيًا عميقًا بأن الحضارة لا تُبنى على صوت واحد، ووجوده فرصة لتجديد رؤية المنظمة، لتصبح أكثر قربًا من الإنسان، وأقل خضوعًا للبيروقراطية، وصوتًا مثقفًا يؤمن بالإنسانية صار في موقع القرار. اللحظة التي وصل فيها خالد العناني إلى هذا المنصب قد تكون بداية لعصر جديد في العلاقة بين الثقافة والضمير العالمي.

فلنتعرف على سيرته الذاتية: هو أستاذ علم المصريات بقسم الإرشاد السياحي، كلية السياحة والفنادق، جامعة حلوان. حصل على وسام فارس في الفنون والآداب من فرنسا، وهو خبير علم المصريات وعضو مجلس الإدارة والمجلس العلمي للمعهد الفرنسي للآثار الشرقية. هو أيضا أستاذ زائر بقسم المصريات بجامعة بول فاليري مونبيلييه 3 بفرنسا (سبع مرات)، وحاصل على دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه في علم المصريات من جامعة بول فاليري مونبيلييه 3 بفرنسا. عمل كوكيل لكلية السياحة والفنادق لشئون التعليم والطلاب، جامعة حلوان (سابقًا)، وهو عضو شرفي في الجمعية الفرنسية لعلم المصريات منذ 2016 (باريس). حصل على وسام فارس في الفنون والآداب من فرنسا (2015)، وفي ذات الوقت هو عضو لجنة تحكيم بالمجلة العلمية ENiM – أول مجلة علمية رقمية فرنسية فى مجال علم المصريات، وعضو اللجنة العلمية للمجلة الفرنسية Egypte. Afrique & Orient (منذ 2008).

كان عضو الوفد المصري في اللجنة التنفيذية الثامنة عشرة للحملة الدولية الخاصة بإنشاء متحف النوبة بأسوان والمتحف القومي للحضارة المصرية (اليونسكو– باريس، 27 مارس 2015)، وممثل الحكومة المصرية في الاجتماع الحكومي الدولي للخبراء بشأن إعداد مسودة التوصيات الخاصة بحماية المتاحف والمقتنيات والدعاية لها، التنوع ودورها في المجتمع (اليونسكو– باريس، 27- 28 مايو 2015).

فهذا وزير نفتخر به وننتظر منه المزيد خاصة مع افتتاح المتحف الجديد – متحف توت عنخ آمون – بالهرم والذي سيكون أكبر وأحدث متحف في العالم وأنا متأكد أن افتتاحه سيكون أكثر روعة من موكب المومياوات.

خالد العناني نموذجًا يُحتذى به، رجل بدأ من المعرفة، وسار بخطوات ثابتة حتى وصل إلى أرفع منصب ثقافي في العالم ونجاحه دعوة لكل الشباب أن يؤمن بقدراته، فالعلم والعمل الصادق قادران أن يصنعا المستحيل

Exit mobile version