من المألوف جداً أن نرى خراطيم المياه في الشوارع تسقي الأسفلت وبلاط الأرصفة، ومن المألوف أيضاً أن نرى مواسير العمارات يسيل منها الماء، ومن المألوف أن نهدر داخل مساكننا مياه الشرب أو الصرف الصحي، ولا نقوم بالصيانة اللازمة لها. خلاصة القول، علينا أن نعترف إننا بسلوكنا نهدر أغلى ما نملك، وهو مياه النيل. لذلك جاء الوقت أن نصحو من غفلتنا ونصحح عاداتنا وسلوكنا حتى تتواءم مع أزمة المياه وندرتها.
وأحد التحديات الكبرى التي تواجهها مصر حاليا هو ندرة الماء. ونظراً إلى ثبات حصة مصر من مياه نهر النيل ومحدودية مياه الأمطار والمياه الجوفية، فإن القيادة السياسية تولي اهتماماً غير مسبوق لقضية الأمن المائي. وهذه الرؤية تتم من خلال وضع بنية تشريعية جديدة متماسكة وعصرية وعلمية تحل محل القوانين واللوائح القديمة التي باتت غير قادرة على مواكبة التطورات الجديدة لقضايا الماء. وفى هذا السياق جاءت موافقة مجلس النواب على مواد مشروع القانون الجديد لتنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب.
ولا ننسى أن هناك دولة تتحكم في سد النهضة التي بنته وفي كمية المياه التي تتدفق إلى السودان ومصر، مما خلق أزمة سياسية بجانب الأزمات الزراعية والاقتصادية الأخرى المترتبة عليها. لذا علينا أن نأخذ نحن كمواطنين الموضوع بكل جدية وحسم ونطبق القانون في مواجهة هذه الأزمات الآتية علينا.
ويأتي القانون الجديد في إطار الاستراتيجية الوطنية الشاملة للحفاظ على الماء، وذلك من خلال منظومة تشريعية ملزمة وواضحة المعالم، لا تكتفي فقط بالمحافظة على ما هو موجود الآن، وإنما بتطوير المرفق في المستقبل، باعتباره من أهم القطاعات الحيوية للمواطن وللوطن. ويعرف المتخصصون في التشريع أن الدستور المصري في المادة 44، نص على ضرورة ترشيد الاستفادة من ماء النيل وتعظيم هذا الماء وعدم تلويثه أو هدره، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على مياهنا الجوفية وكل مصدر يأتينا منه الماء، رغم أن الحق في ماء الشرب الصالح والنظيف وفى الغذاء الصحي الكافي، هو حق أصيل في الدستور، في مادته التاسعة والسبعين.
وبطبيعة الحال فإن أحد أهداف القانون الجديد لمرفق المياه توحيد جهود المؤسسات والوزارات والهيئات المتعاملة مع الماء، كما أن هدفا آخر في غاية الأهمية من القانون هو إدخال القطاع الخاص في المشاركة في هذا المرفق بمقتضى قواعد محددة وصارمة، حفاظا على مصالح المواطن البسيط، وضمن خطة الحكومة الرشيدة للمرفق حيث أن الماء سيكون أغلى من البترول والغاز.
ويقول المتخصصون إن الحرب القادمة ستكون حرب على المياه وقد بدأت إرهاصاته في دول شقيقة مجاورة، ولذلك فإن القانون الجديد تضمن مواد لتحقيق الحزم مع استهلاك المياه، مع حماية حقوق المستهلكين ومنع التعديات على شبكات المياه والصرف الصحي. وسيتم قريبا إنشاء جهاز مستقل مهمته الرقابة والترخيص، ووضع المعايير لضمان كفاءة الخدمة ومنع الممارسات الاحتكارية مع ضمان تكافؤ الفرص وكما نص القانون، الذي أقره مجلس النواب، فإن استخدام التقنيات الحديثة سيكون إلزامياً، ليس فقط لمنع الهدر، حفاظًا على البيئة وصحة المواطن وتوزيع المياه بطريقة عادلة على الجميع.