البابا لاوُن الرابع عشر – الأب رفيق جريش

أطلّ البابا الجديد لاون الرابع عشر من شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليبارك شعبه والعالم مستخدماً صيغة “السلام لجميعكم”. والبابا الجديد هو الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست (سابقا) وهو عميد المجمع المسئول عن الأساقفة في العالم، ورئيس أساقفة مدينة شيكلايو الفخري في بيرو. ولد في 14 سبتمبر 1955 في شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية، فهو أمريكي من أصول إسبانية وفرنسية وإيطالية.

حصل على بكالوريوس في الرياضيات، ثم التحق برهبنة القديس أغسطينوس الذي أستشهد بقوله في إطلالته الأولى من شرفة الكاتدرائية بقول القديس أغسطينوس “أنا مسيحي معكم وأسقف من أجلكم” الذي ألقاها القديس يوم رسامته الأسقفية على مدينة هيبو، عنابة حالياً في الجزائر. وتتلخص روحانية الرهبنة الأغسطينية التي انخرط فيها البابا في الحب والرحمة والتواضع والعبادة وخدمة الإنسان.

وعندما بلغ البابا 27 سنة أرسلته الرهبنة إلى روما في جامعة توما الأكويني لدراسة القانون الكنسي، وأصبح كاهناً عام 1982، وذهب كمرسل في بيرو (1985-1986)، ثم نال درجة الدكتوراه عام 1987، وأصبح مديراً للدعوات والإرساليات في ألينوي بالولايات المتحدة الأمريكية.

في عام 1999، انتُخب رئيسًا إقليميًا لمقاطعة “أم المشورة الصالحة” في شيكاغو. وبعد عامين ونصف، انتخبه الفصل العام العادي رئيسًا عامًا، وهي خدمة أوكلت إليه مرة أخرى في الفصل العام العادي لعام 2007. وفي أكتوبر 2013، عاد إلى مقاطعته شيكاغو للخدمة كمعلم للمنذرين ونائبًا إقليميًا، وهي أدوار شغلها حتى الثالث من نوفمبر عام 2014، عندما عينه البابا فرنسيس مدبرًا رسوليًا لأبرشية شيكلايو في بيرو، ورفعه إلى درجة الأسقف ومنحه الأبرشية الاسمية سوفار.

هذا وخدم أسقفًا لشيكلايو اعتبارًا من 26 نوفمبر عام 2015. وفي مارس 2018، أصبح النائب الثاني لرئيس مؤتمر الأساقفة في بيرو. وعينه البابا فرنسيس عضوًا في مجمع رجال الدين عام 2019، وعضوًا في مجمع الأساقفة عام 2020. وفي 15 أبريل عام 2020، عينه البابا مدبرًا رسوليًا لأبرشية كاياو. ثم في 30 يناير عام 2023، عين البابا فرنسيس الكاردينال بريفوست عميدًا لمجمع الأساقفة ورئيسًا للجنة البابوية لأمريكا اللاتينية. ثم أعلنه كاردينالًا في مجمع 30 سبتمبر عام 2023، بصفة كاردينال شماس لسانتا مونيكا.

وهو عضو في المجامع من أجل الكرازة، وأيضاً الكنائس الخاصة الجديدة؛ وعقيدة الإيمان؛ والكنائس الشرقية؛ رجال الدين؛ معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية؛ الثقافة والتعليم؛ النصوص التشريعية؛ اللجنة البابوية لدولة مدينة الفاتيكان.

وقد اتخذ البابا أسم لاون الرابع عشر تيمناً بالبابا لاون الثالث عشر (1810-1903)، والذي يعتبر أحد أهم الباباوات في التاريخ الحديث، وهو الذي صاغ الإرشاد الرسولي “عصور حديثة”، حيث تناول قضايا العمل والعمال والعدالة الاجتماعية إبان الثورة الصناعية في أوروبا.

وجود البابا وخدمته في بيرو مدة طويلة أعطاه فرصة للتقرب من مشاكل الناس، إذ نسبة المهجرين إلى بلاده من البلاد المجاورة تفوق قدرة بيرو الاقتصادية، التي يعاني شعبها من نسبة فقر تصل إلى 35% من الشعب، إضافة للبطالة، وهذا ما يجعله قريب من فكر البابا الراحل فرنسيس الذي كان أيضاً من الأرجنتين أيضاً في أمريكا الجنوبية ويعاني شعبها من المشاكل الاقتصادية نفسها.

وكما كتبنا الأسبوع الماضي في نفس هذا المكان، لا يجب أن نرسم توقعات لكيفية إدارة البابا للكنيسة في الفترة المقبلة، لأن البابا يعمل من أجل تثبيت الناس في الإيمان ووحدة الكنيسة، والوحدة بين المؤمنين ومع الكنائس الأخرى، كذلك البابا هو حارس العقيدة التي لا تتغير، وهو الذي يمد الجسور مع الكل، خاصة الأديان الأخرى بالمحبة والحوار.

ويتميّز البابا الجديد بأسلوب غير تصادمي، وقدرة كبيرة على الاستماع، وحس عالي بالحوار بين الثقافات، وخبرة عالمية. وهو يتحدث خمس لغات وهي الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية، الإيطالية، والبرتغالية، ويُنظر إلى نهجه على أنه قريب من نهج البابا فرنسيس، خصوصًا فيما يتعلق بإصلاح الكوريا، والحكم الجماعي، والدعوة إلى كنيسة أكثر بساطة وأقل تمركزًا على السلطة.

ومن أهم أقواله”، على سبيل المثال: “الأسقف لا يُفترض أن يكون أميرًا صغيرًا يجلس على عرشه.” و”يجب التبشير بالإنجيل في كل مكان، حتى لو اختلفت السياقات الثقافية والأولويات من بلد لآخر.”

ويأتي البابا لاون الرابع عشر في وقتٍ يشهد تحدياتٍ عالميةً جسيمة. “فالعالم بحاجةٍ إلى أقوى الأصوات الداعية للسلام والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والرحمة، لتكُون خدمَتُكُم علاَمَةَ رجاءٍ ووحدةٍ وَسلامٍ فِي عالمٍ يَتعَطَش إِلى المُصالحَةِ وَالتجَددِ الروحِي”.

Exit mobile version