زلزال الضمائر.. الأب رفيق جريش

زلزال تركيا وسوريا زلزل قلوبنا من مشاهدة مآسى الناس في سوريا وتركيا خاصة فى سوريا المنقسمة على ذاتها والمتشرذمة ما بين المناطق الموالية لنظام بشار الأسد ومناطق المعارضة له، ما بين الدواعشية والأكراد وكلها مناطق مدمرة أصلا جراء المعارك والحرب الأهلية ويعيشون مآسى قضى الزلزال عليهم تماما، لذا المواقف الإنسانية يجب أن تكون إنسانية بحتة والموقف الأخلاقي ألا يتسيس العمل الإنساني ولا يتأثر بالمواقف السياسية فأمام الموت والخراب والإصابات يتلجّم اللسان وينبض القلب بالرحمة، ورغم الاستغاثات من مؤسسات عالمية كثيرة إلا أن سوريا تنال إهمالا وانتهازية من قبل بعض الدول الغربية.

هذا الزلزال العنيف الذي ضرب بشدة جنوب تركيا وشمال سوريا وتسبب في مصرع وإصابة عشرات الألوف وتدمير المنازل والبنية التحتية مثل شبكات الطرق والجسور ومحطات المياه والكهرباء والصرف الصحي فهو يُعد من أكثر الزلازل فتكا منذ أربعينيات القرن الماضي وربما ساعد على ارتفاع عدد الضحايا أن الزلزال وقع في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين الماضي بينما كان الناس نائمين!

لقد كان مشهدا إنسانيًا رهيبًا عشناه ونحن نشاهد بعض جوانب المأساة التي ألمت بأشقاء لنا فى سوريا وتركيا ورأينا بطولة فرق الإنقاذ وهم بإمكانيات محدودة جدا يصارعون الأمطار الغزيرة والثلوج المتساقطة ويسابقون الزمن من أجل العثور على ناجين تحت الأنقاض وكان مشهد إخراج أطفال أحياء مشهدا رهيبا.

فى الأوقات الصعبة، يبرز الدور المصري الإنساني دائما. كانت مصر حريصة على توجيه «رسالة تضامن» قوية، وبشكل فورى، مع الشعوب الأكثر تضررا، وأيضا لتقديم واجب العزاء والمواساة فى الضحايا الذين سقطوا نتيجة لذلك.

فالرئيس عبد الفتاح السيسي وجه خالص التعازي للشعبين السوري والتركي، ولأسر ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب شرق المتوسط أخيرا، وكانت سوريا وتركيا أكثر المتضررين منه وكذلك وزير الخارجية سامح شكري الذي اتصل بكل من وزير خارجية تركيا ووزير خارجية سوريا للتعزية والمساندة.

كل هذه التحركات والاتصالات، والتي تمت بصورة عاجلة وفورية عقب وقوع الزلزال المروع تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر هي دولة المواقف الإنسانية مهما كان الخلاف السياسي فعلا وقولا وفى مختلف الأوقات بغض النظر عن أي اعتبارات، فروابط الأخوة والإنسانية أقوى من أي شيء آخر. وهكذا اعتادت مصر دائما.

لقد هزتنا بعنف تلك الدراما الإنسانية التي رصدتها كاميرات الفضائيات لحالة الذعر والهلع التي انتابت سكان تلك المناطق المنكوبة والذين فروا من مساكنهم ويرفضون العودة إليها مرة أخرى خشية التوابع والهزات الارتدادية المحتملة.

وإذا كان الضمير الإنساني قد استيقظ مع الكارثة بنداءات رسمية وشعبية في عدد كبير من دول العالم تدعو إلى مساعدة سوريا وتركيا في مواجهة الكارثة فإن الأحرى بالمجتمع الدولي أن يعيد النظر في المسألة السورية خاصة أن هناك دولا تتباطأ للمساعدة بذرائع سياسية، لذا ندعو أن تتسارع الخطوات والإجراءات لرفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا حتى تتمكن دمشق من مد يد العون والمساعدة للمناطق المنكوبة بعد أن أظهرت الكاميرات ضعفا هائلا في البنية الأساسية ونقصا مؤسفا في آليات رفع الأنقاض من فوق المنكوبين المدفونين أسفلها. كارثة الكوارث هى العجز عن الاستفادة من دروسها عند احتياج من هم في الشدة والمآسي ولتترك السياسة جانبا بصراعاتها والتواءاتها واصطياد المواقف، فالمأساة أكبر من أي مصالح أو انتهازية سياسية.

Exit mobile version