افتتاحية العدد

تحية للمحكمة الجنائية الدولية – الأب رفيق جريش

لم تكن مفاجئة أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال ضد كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ويوآف جالانت وزير الدفاع السابق، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رغم أن جاءت متأخرة بعدما خربت غزة وخرب جنوب لبنان.

ومن تداعيات أوامر المحكمة، إغلاق 124 دولة ــ وهي الدول الموقعة على نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة ــ أبوابها في وجه كل من نتانياهو وجالانت. وبموجب القرار، ستكون تلك الدول ملزمة بالتعاون مع المحكمة لتنفيذ مذكرتي الاعتقال حال نزول أحدهما في إحدى هذه الدول.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، فإن القرار سيضر أكثر بالعلاقات بين إسرائيل والدول الأعضاء في المحكمة، لاسيما الدول التي أعلنت بالفعل استعدادها لتنفيذ مذكرتي الاعتقال وكذلك الدول التي أعلنت احترامها لقرار المحكمة، ومنها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، رغم مساندتها لإسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023. ولكن يبدو أن تلك الدول ترى ضرورة التخلص من الثنائي الإسرائيلي، وفتح المجال لمباحثات وقف إطلاق النار وربما السلام، وقد يدفع بعض الدول إلى اتخاذ خطوات جادة بالفعل من أجل وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، حتى لا تصبح شريكة مع حكومة الاحتلال الحالية في جرائمها في غزة ولبنان وغيرها.

أوامر المحكمة جاءت لتعزز من الصورة السلبية لإسرائيل على الساحة الدولية وتحولها إلى دولة “منبوذة” عالمياً، خاصة مع إثبات كونها دولة احتلال قائم، تمارس جرائم حرب. ووفقا للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الجرائم الموجهة لكل من نتانياهو وجالانت، تشمل الإشراف على هجمات استهدفت المدنيين بشكل مباشر، إلى جانب استخدام سياسة التجويع كوسيلة للحرب، بما في ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية عن السكان المدنيين في غزة، كما تشمل التهم أيضا ارتكاب أفعال غير إنسانية مثل الاضطهاد والتعذيب ضد سكان القطاع.

وهذا سر حملة التهديدات والضغوط التي شنتها إسرائيل ومارستها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية خلال الشهور الماضية من أجل محاولة منع صدور قرار المحكمة الذي جاء بالإجماع، وكذلك الضغط على أعضاء المحكمة ونائبها العام ليسقط زيف ادعاءات عدم المصداقية التي تم الترويج لها، بل وليؤكد مجددا سياسة ازدواجية المعايير الغربية، التي أيدت أوامر المحكمة ضد روسيا، بينما خرجت لتنتقد إجراءاتها في مواجهة جرائم إسرائيل.

وفى ظل أجواء التوتر السياسي والدبلوماسي، فإنه من المنتظر أن يؤدى قرار المحكمة أيضا إلى تنامى مشاعر الكراهية ضد إسرائيل، وزيادة حركة الاحتجاجات وحملات المقاطعة الشعبية في كل العالم، من أجل الاستمرار في الضغط على الحكومات لوقف الحرب على غزة ولبنان، ووضع حد لجرائم الاحتلال المرتكبة بحق سكان القطاع المدنيين، والتي أصبحت توثقها الإدانات الدولية المتتالية من جانب المنظمات العالمية.

إلى متى سيتحمل المواطن الإسرائيلي أن يكون منبوذاً في كل العالم، ومشاعر الحقد والانتقام تحيط به في كل مكان في العالم؟ وها هي إسرائيل التي قدمت نفسها للعالم أنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان، تظهر على حقيقتها كدولة إجرام وتدمير وتجويع واحتلال بامتياز.

وحتى مع التسليم بعدم استجابة إسرائيل والولايات المتحدة لمذكرتي الاعتقال، كونهما غير عضوين بالمحكمة الجنائية، وبالتالي لا تعترفان بسلطتها القضائية، لكنه في حكم المؤكد أن التهم الموجهة لن تختفي بمجرد انتهاء الحرب، بل وسيظل التاريخ شاهدا على جرائم الاحتلال، وقادته الذين أصبحوا سجناء خلف سياج العزلة الدولية، التي أرادوا فرضها حول حقيقة ما يجرى في غزة ولبنان، وجاءت الحرب لتسقطها وتكشف عن واقع العدوان الأليم أمام العالم أجمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى